حين يسير الإنسان بين ضوء الظل والوجع
في حياة كل إنسان لحظة يكتشف فيها أن الطريق الذي يسير فيه ليس مستقيما وأن كل خطوة تحمل معها سؤالا جديدا وأن كل تجربة تحدث له تحمل درسا جديدا وأن كل شعور يمر به مهما كان صغيرا يترك أثرا في روحه وقلبه أحيانا يشعر الإنسان أنه ضائع بين تفاصيل الأيام بين الصمت والكلام بين الفرحة والحزن بين الأمل والخوف بين الحب والفقد يجد نفسه يتساءل عن قيمة كل شيء
يفعله عن سبب كل علاقة دخلها وعن تأثير كل تجربة مر بها وعن ما إذا كان يتقدم أو يظل واقفا في مكانه الإنسان كثيرا ما يحاول أن يجد نفسه ويحاول أن يفهم ما يحدث داخله ويحاول أن يفسر كل شيء من حوله ويحاول أن يضع كل شيء في مكانه لكن الحقيقة أن الحياة لا تعطي إجابات جاهزة وأن كل خطوة وكل لحظة وكل تجربة تحمل معها معنى يكتشفه فقط عندما يعيشها
بصدق ويواجه ما بداخل قلبه وما يختبئ في صمته وما يطفو على سطح روحه أحيانا يجد نفسه يبتسم في الخارج بينما قلبه يحمل ألما لم يعرفه أحد أحيانا يضحك ليخفف عن نفسه وعن الآخرين أحيانا يبكي وحده بعيدا عن كل عين وكل قلب أحيانا يحاول أن يهرب إلى ذكريات جميلة أو حلم قديم لم يتحقق أحيانا يقف صامتا أمام مرآة نفسه يحاول أن يفهم نفسه ويحاول أن يجد
طريقه بين كل ما مر به وكل ما سيأتي الحياة تعلم الإنسان أن الألم جزء من الرحلة وأن التجربة تصنع القوة وأن الحب ليس في الكلمات الكبيرة ولا في الوعود العظيمة بل في التفاصيل الصغيرة في الانتباه في الصبر في القدرة على التفاهم في القدرة على الانتظار في القدرة على التجاوز في القدرة على التسامح في القدرة على البوح في الوقت المناسب في القدرة على الحب رغم كل شيء
في القدرة على العطاء دون انتظار مقابل في القدرة على فهم الآخر كما هو وليس كما نريد أن يكون الإنسان يتعلم أن الصمت ليس دائما ضعفا وأن البكاء ليس دائما استسلاما وأن الرحلة ليست سهلة وأن القلب الذي تألم لا يزال قادرا على الحب وأن الروح التي جرحت ما زالت تبحث عن السلام الداخلي وأن كل تجربة صعبة مر بها علمته كيف يواجه نفسه وكيف يواجه الآخرين وكيف يقدر
الحياة وكيف يفهم الناس وكيف يكتشف قيمته وكيف يفهم قيمتهم وكيف يوازن بين إعطاء الحب والحفاظ على نفسه وكيف يختار مع من يشارك رحلته ومع من يتركهم يذهبون وفي كل يوم يجد الإنسان نفسه أمام اختيارات جديدة أمام تحديات جديدة أمام شعور جديد أمام فرصة جديدة أمام حلم جديد أمام وجع جديد أمام فرحة جديدة أمام صمت جديد أمام ضحكة جديدة أمام دمعة
جديدة يعرف أن كل لحظة وتجربة وشعور وعلاقة وكلمة ودمعة وضحكة وصمت وحلم وأمل وخوف وفقد وحب وتحدي هي جزء من رحلته وأن كل شيء يمر به يشكل شخصيته ويصقل قلبه وروحه ويزيد وعيا وفهما للحياة وللنفس وللآخرين وأن الاستمرار في المشي بين الضوء والظل بين الحب والفقد بين الصمت والكلام بين الفرح والحزن بين الأمل والخوف هو ما يجعل الحياة ذات
معنى وأن الإنسان مهما مر به من ألم يظل قادرا على الاستمرار على الحب على التعلم على النمو على فهم نفسه وفهم الآخرين
الإنسان أحيانا يمشي في الليل وحده وبين صمت السماء وصدى قلبه يشعر بالوجع بطريقة أعمق ويكتشف ذكريات لم يظن أنها ما زالت تؤلمه يكتشف رغبات لم يستطع التعبير عنها يكتشف خوفا لم يجرؤ على مواجهته يكتشف حنينا لم يفكر فيه منذ زمن بعيد
يكتشف أنه رغم كل ما مر به من ألم وخسارة ومازال قادرا على التطلع للأمام ومازال قادرا أن يجد الفرح في لحظة صغيرة وأن يستعيد الأمل في بداية يوم جديد وأن يمنح الحب لمن يستحق وأن يحتفظ بالسلام داخله وأن يقف أمام ذاته صادقا مع نفسه
الإنسان حين يبدأ رحلته مع نفسه في منتصف الليل يكتشف أن العمر كله لم يكن سوى محاولة للتفسير وأن كل الحكايات التي ظن
أنه تجاوزها ما زالت تقيم داخله وكل كلمة قالها وكل صمت اختاره وكل خطوة مشى فيها تتحول فجأة إلى مشاهد متتابعة تفتح أبواب الذاكرة وتمنحه شعورا بأن الحقيقة التي كان يخشاها لم تكن سوى جزء من تكوينه وأن القلب الذي تعب من الانتظار ما زال يبحث عن لحظة صدق واحدة تعيد إليه إحساسه الأول ورغبته القديمة في أن يعيش بلا خوف وبلا تردد ويظل الإنسان طوال
حياته يحاول أن يفهم لماذا يشعر بهذا الثقل عند التفكير في من يحب ولماذا تختلط مشاعره بين الرغبة في الاقتراب والخوف من أن يساء فهمه ولماذا يشعر أحيانا أن الكلام لا ينقذه وأن كل ما يقوله قد يفسر بطريقة أخرى غير التي يقصدها وأنه مهما حاول أن يوضح ما يضايقه يبقى الطرف الآخر وكأنه يسمع نصف الكلام فقط ويرى نصف المشهد فقط ويتعامل بطريقته هو وليس بطريقة القلب
الذي يقف على حافة الانهيار ويحاول أن يبقى صامدا لأن الصادق دائما يتعب أكثر من غيره لأنه يشعر بعمق ويتعلق بصدق ويخاف أن يخسر أحدا يحبه الإنسان أحيانا يختار أن يصمت ويبدو أمام الآخرين وكأنه تجاوز الأمر ويتحمل كل شيء بهدوء بينما الحقيقة أنه يحاول فقط أن يحافظ على من يحب ويحاول أن لا يخسره ويحاول أن لا يبدو ثقيلا أو كثير الطلبات ويحاول أن يخفف عن
نفسه دون أن يؤذي غيره لكن الصمت الطويل يتحول إلى وجع صامت لا يسمعه أحد ويصبح الإنسان محاصرا بين ما يريد قوله وما يخشى أن يقال عنه وبين خوفه من أن يتسبب في مشكلة وخوفه من أن يفقد العلاقة وخوفه من أن يتهم بأنه يبالغ أو يتحسس من أشياء بسيطة بينما هو يشعر بأن قلبه لم يعد يستطيع تحمل المزيد وأن استمرار الأشياء بهذا الشكل يستهلكه من الداخل
ومع كل هذا يظل يحب ويتمسك ويحاول أن يعطي فرصة جديدة ويحاول أن ينقذ العلاقة حتى لو كان هو الوحيد الذي يقاتل من أجل أن تبقى ويدرك في لحظة صدق نادرة أن التعب الذي بداخله ليس لأنه ضعيف بل لأنه صادق والصادق دائما يتعب أكثر لأنه يشعر بعمق ويتعلق بصدق ويخاف أن يخسر من يحب حتى لو كان الطرف الآخر لا يرى كل ما يبذله لأجله ولا يشعر بحجم ما يقدمه
ولا يلاحظ كم مرة كسر نفسه ووقف على مشاعره حتى لا يسبب ألما للطرف الآخر ويكتشف الإنسان في النهاية أن الحب الحقيقي ليس في الكلام الجميل ولا في الوعود الكبيرة ولا في اللحظات القصيرة التي يظهر فيها الاهتمام فجأة بل في التفاصيل الصغيرة التي تكشف هل الطرف الآخر يفهمه أم لا يشعر به أم لا يراه أم لا يلاحظ كيف تتغير وكيف تتعب وكيف يقاوم الألم ويحاول أن يبقى
رغم كل ما يوجعه رغم كل ما يؤذيه رغم كل ما يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يتحدث أو يبوح بما يشعر به وفي كل يوم يجد الإنسان نفسه أمام نفسه أمام ضعفه أمام قوته أمام خوفه أمام حلمه أمام كل ما يحاول أن يكتمه طول اليوم ويضحك ويكمل لكن يعرف أن الروح محتاجة ترتاح محتاجة تحكي محتاجة تبكي محتاجة تتنفس محتاجة تحس أنها ليست وحدها وأن رغم كل شيء هي
قادرة على أن تكمل وأن تستمر وأن تكتشف معنى كل يوم جديد وأن كل خطوة تخطوها بين الضوء والظل والوجع والأمل والحب والفقد تعلمه شيئا جديدا عن نفسه وعن الآخرين وعن العالم وأن الرحلة مستمرة لا تنتهي أبدا



















