بين الصندوق والمال… من يكتب مستقبل الوطن؟
منذ الساعات الأولى امس ليوم الانتخابات، وعلى مرأى ومسمع الجميع، تابعنا مشاهد متعددة؛ بعضها يبعث على الأمل، وبعضها الآخر يثير القلق والخوف على صورة الوطن ومستقبل التجربة الديمقراطية. رأينا ورصدنا، وسمعنا وشاهدنا، عبر الشوارع والقرى والمدن، وداخل اللجان وخارجها، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد من الهرج والمرج، والدعايات، والاتهامات المتبادلة، والتخويف والترهيب، حتى بات المشهد مشوشًا بين حقيقة واضحة، وافتراءات مغرضة، وأشياء أقرب لشبه الحقائق.
الأخطر من كل ذلك ما تردد عن المال السياسي، والكراتين، والسلع، ومحاولات شراء الأصوات، وهو أمر لا يسيء فقط لنزاهة العملية الانتخابية، بل يضرب جوهر الدستور والقانون في مقتل، ويحوّل الحق الدستوري للمواطن إلى سلعة رخيصة تباع وتُشترى. فكيف لمن جاء بالغش أو بالمال أو باستغلال حاجة الناس أن يجلس على مقعد البرلمان ليشرّع باسمهم ويتحدث باسمهم؟
إن من يشتري الصوت اليوم، لن يسمع لصاحبه غدًا، ومن يصل بالفساد لن يصون الوطن، ومن يسرق إرادة الناس لن يكون حارسًا على حقوقهم. فهل هكذا يُبنى مجلس الشعب؟ وهل هكذا تُصان كرامة المواطن؟ وهل هكذا يُصنع مستقبل الأجيال؟
لقد نسينا – أو تناسينا – أن كل شيء مرصود، وأن الحساب لا يسقط بالتقادم، وأن مملكة السماء ترى قبل أن ترى العيون، وتُحصي قبل أن تُحصي الكاميرات. نسينا أن الوطن لا يُدار بالرشوة، ولا يُبنى بالسكوت، ولا ينهض بالخوف.
أيها الإخوة والأحباب… أراكم خلف الشاشات، تشاهدون وتضحكون، تتجادلون وتعلّقون، تتصفحون الجروبات والصفحات، تتابعون ما حدث وما سيحدث، بين حقيقة وافتراء، وتكهنات وظلم، بينما الصندوق أمامكم، والورقة بين أيديكم، والقلم الذي يخطّ مستقبلكم ينتظر قراركم.
اليوم هو يوم الكلمة الصادقة، ويوم الفعل لا الجدل، ويوم النزول لا الفرجة. لا تُبنى الأوطان ونحن جالسون على المقاهي، أو على المصاطب، أو خلف الشاشات. الأوطان تُبنى حين يخرج المواطن بإرادته الحرة، وضميره الحي، وصوته النزيه.
اخرج اليوم، قل كلمتك، اختر من تراه أهلًا للثقة، لا من اشتراها بالمال، ولا من سعى إليها بالخوف. اجعل صوتك شهادة حق لا شهادة زور، واجعل نزولك للصندوق مشاركة حقيقية لا مجرد حضور شكلي.
فالصندوق أمامك…
والقرار بيدك…
وبك، وحدك، تحيا الأوطان.



















