18:10 | 23 يوليو 2019

اللقاء المؤجل

3:36pm 25/11/25
صورة أرشيفية
نشأت البسيوني

كان كل شيء بينهما يتحرك في صمت يشبه الارتعاش الخفي الذي يصيب القلب حين يقترب من شيء يظنه قدره فهما لم يكونا يبحثان عن قصة تكتب ولا حكاية يتفاخران بها هما فقط كانا يبحثان عن بعضهما كأن الروح لا تهدأ الا حين تلتقي بالروح التي تعرفها قبل الذاكرة وقبل الاسماء ورغم انهما متزوجان ورغم ان الواقع يضع ابوابا مغلقة في كل طريق الا ان قلبيهما كانا يجدان في
بعضهما ملاذا لا يشبه اي شيء اخر كانا يحكيان لبعضهما كل ما يعبر داخلهما كأن الحزن لا يجد طريقا للخروج الا عبر اصواتهما وكأن الفرح لا يكتمل الا اذا شاهده الاخر بعينيه حتى التعب كان يصبح اخف حين يسمع صوت الآخر وكأن العالم يتسع فجأة ويصبح اقل قسوة واكثر رحمة فهما اعتادا ان يكونا معا على الهاتف قبل النوم بعده في الصباح في منتصف اليوم وكأن وجود احدهما في يوم
الآخر اصبح ضرورة تشبه التنفس لم يكن احدهما يريد من الثاني اكثر من البقاء في حياته فهما يعرفان حدود الواقع ويعرفان ان الطرق ليست مفتوحة امام امنياتهما ويعرفان ان لقاءهما ليس سهلا لأنهما غير حرين وكل خطوة يفكران فيها تصطدم بحياة اخرى تنتظر منهما الالتزام والاستمرار ولكن رغم كل هذا كانت ارواحهما تتشبث ببعضها كأنها تعرف ان الفراق سيكون موتا بطيئا لا يتحمله
احد منهما هو كان يشعر ان قلبه يتسع لها في كل لحظة وكأنه يحبها اكثر مما يحب نفسه وهي كانت تشعر ان وجوده في حياتها هو الشيء الوحيد الذي يجعل يومها قابلا للاحتمال وكأنها حين تسمع صوته تزداد قوة رغم كل ما يحيط بها ورغم كل مسؤولياتها ورغم ان حياتها تسير في اتجاهات لا تترك لها حرية الاختيار ومع كل هذا كانت تتمنى اللحظة التي تجمعهما حتى لو دقائق قليلة
ليراها وتراه وتنتهي كل المسافات بينهما حتى لو لم يتغير شيء في الواقع سيكفي ان يلتقيان هو ايضا كان يتمنى اللقاء كان يفكر فيه كأنه حلم بسيط لكنه كبير جدا بالنسبة له كان يتخيل كيف سيبدو صوتها حين تكون امامه لا عبر الهاتف وكيف ستكون نظرتها حين تراه لا من خلال شاشة وكيف سيكون شعوره حين يعرف ان المسافة لم تعد سوى خطوات معدودة لكنه يعرف كما تعرف هي ان
تلك الخطوات صعبة وان حياتهما المتشابكة مع حياة اخرين تجعل اللقاء حلما مؤجلا لا يعرفان موعده ومع كل هذا كانا يتمسكان ببعضهما كأنهما يعرفان ان الحب ليس دائما قرارا وليس دائما اختيارا وليس دائما طريقا مفتوحا احيانا يكون الحب مجرد قدر يقع على قلبين لا يستطيعان الهرب منه ولا يستطيعان التراجع عنه فقط يتعاملان معه كما هو بكل صعوباته وبكل جماله وبكل وجعه
وهكذا استمرا معا بكل ما في داخلهما من حنين وكل ما في حياتهما من قيود كانا يكملان بعضهما ولو من بعيد يتشاركان ما استطاعا ويتقاسمان ما استطاعا ويحلمان بما استطاعا ويؤجلان كل شيء لا يسمح به الواقع لكنهما لم يتركا بعضهما لحظة واحدة لأن كل منهما يعرف ان الآخر هو الجزء الذي لا يمكن تعويضه والروح التي لا يمكن استبدالها والوجود الذي لا يغادر مهما تغير كل شيء وفي
النهاية كانا يدركان انهما ربما لن يجدا الطريق الذي يجمعهما في الحياة لكنه كان يكفيهما ان يظل كل منهما في حياة الآخر لأن وجودهما معا كان هو المعنى الحقيقي الذي اعطى لأيامهما شكلا مختلفا وهدوءا مختلفا ورغبة في الاستمرار رغم كل التعب ورغم كل المستحيل وهكذا بقي الحب بينهما مثل ضوء بعيد لا ينطفئ مهما عبرت فوقه المسافات ومهما وقفت امامه القيود ومهما تاخر اللقاء الذي يتمنياه فالقلب حين يجد روحه يظل يتعلق بها حتى لو كان العالم كله واقفا ضده
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum