اغتيال براءة اسيل شرارة ثورة شعبية
اسيل لم تكن مجرد طفلة عابرة في هذا العالم القاسي لكنها كانت روحا صغيرة تمشي بخفة الفراشات وتبتسم بعفوية الملائكة حتى جاء اليوم الذي اختطف فيه القدر كل شيء وحول البراءة إلى مأساة والطفلة إلى قضية والوطن كله إلى سؤال كبير يتردد في العقول والقلوب ماذا حدث ولماذا حدث وكيف يمكن أن يحدث هذا في بلد يفترض أنه يحمي أبناءه ويقف معهم لكن اسيل رحلت وحكايتها لم ترحل بل انفجرت في وجه الجميع كشرارة لا تخبو وصوت لا يصمت وصراخ يرفض أن يتحول إلى ذكرى
اسيل ماتت ولكن موتها لم يكن نهاية بل كان بداية زلزال اجتماعي يفضح كل ثغرة وكل ضعف في المنظومة التي كان يجب أن تحفظ للأطفال حياتهم وأمانهم لكنها تركت الباب مفتوحا لوحش بشري يقترب ويغتال طفلة صغيرة بلا ذنب وبلا رحمة وتحت ستار كلمة قاصر يحاول أن يخفف جريمته وأن يخرج من الكارثة بأقل عقاب بينما اسيل خرجت من الحياة كلها بلا رجعة وبلا فرصة وبلا حماية
المأساة الأكبر ليست في رحيل اسيل وحدها بل في الحكم الذي صدر على قاتلها خمسة عشر عاما فقط لأنه قاصر وكأن كلمة قاصر يمكن أن تكون جدارا واقيا لمَن خطط واعتدى وأفقد أسرة كاملة ابنتها الوحيدة وحرم أمها من حضنها وأفقد أبا رجولته وثقته في العالم خمس عشرة سنة لجريمة اغتصاب وقتل لطفلة لم تتجاوز العمر الذي تتعلم فيه كيف تمسك قلم المدرسة كيف يتقبل المجتمع هذا الحكم وكيف يستطيع الناس أن يصدقوا أن العدالة تحققت بينما الحقيقة أن العدل غائب وأن الغضب وحده حاضر
قصة اسيل ليست حادثة فردية بل هي مرآة كبيرة تعكس مستوى الخطر الذي يحيط بالأطفال وتعكس حجم الفجوة بين ما نحتاجه من قوانين قوية رادعة وما نراه من أحكام مخففة تدخل في نفوس الناس شعورا بالخوف والقهر والغضب لأن المجتمع كله يعرف أن هذا النوع من الجرائم لا يرتكبه طفل ولا يعالجه حكم مخفف ولا يردعه عمر صغير بل يردعه قانون قوي لا يفرق بين بالغ ومراهق حين تكون الجريمة كاملة الأركان بشعة التفاصيل واضحة النية
كيف يمكن لأسرة اسيل أن تنام بينما قاتل ابنتهم سيخرج بعد سنوات يعود يعيش ويتزوج وينجب ويضحك ويبدأ حياة جديدة بينما اسيل لن تكبر ولن تفرح ولن تعيش لحظة واحدة أخرى كيف يمكن لمجتمع أن يقبل أن عقاب اغتيال طفلة يمكن أن يكون سنوات محدودة ثم ينتهي الأمر كأنه حدث عابر كيف يمكن للناس أن يفهموا أن العدالة ليست مجرد نص مكتوب بل روح يجب أن تعكس قيمة الإنسان وحجم الألم الذي أصابه
اليوم أصبحت اسيل أيقونة وكل طفل في مصر هو اسيل جديدة محتملة إن لم يتحرك المجتمع وإن لم يضغط الرأي العام وإن لم يقف الجميع أمام هذه الجريمة باعتبارها قضية وطن كامل لا حادثة عابرة لأن الأطفال هم أكثر الفئات ضعفا ولأن أي خلل في حمايتهم هو خلل في الدولة والأسرة والمجتمع والقانون وإن تركنا اسيل تسقط بصمت فسيسقط بعدها الكثيرون ولن نجد وقتها من يصرخ أو يحتج أو يطلب إعادة تعديل قانون أو تشديد عقوبة أو مواجهة ثغرة يستغلها المجرمون
الأمهات اليوم ينظرن إلى بناتهن خوفا شديدا لأن ما حدث لاسيل ليس بعيدا عن أي بيت ولا عن أي شارع ولا عن أي أسرة لأن الوحش الذي اقترب من اسيل لم يأت من الظلام بل من مجتمعنا من شوارعنا من مدارسنا وربما من بيوت لم تتوقع أن يكون في داخلها هذا القدر من العنف والظلام كل أم تشعر أنها أم اسيل وكل أب يشعر أنه والدها وكل فتاة صغيرة تشعر أن أمنها أصبح هشا وكل أسرة أصبحت تتساءل ماذا لو حدث هذا لابنتنا وماذا لو واجهنا الحكم نفسه وماذا لو وقفنا أمام قبر صغير لا يحتمل حجمه ولا قسوته ولا النهاية التي لا يمكن تغييرها
الدم الذي سال من اسيل ليس مجرد دم طفلة بل دم أمة كاملة جرحها وحطمها وهزها من الداخل وأخرج أسوأ ما في الخوف وأقوى ما في الغضب وفتح بابا جديدا للنقاش حول قوانين الأحداث وحول ضرورة إعادة النظر في مفهوم القاصر حين يتعلق الامر بجريمة كاملة التفاصيل جريمة تتطلب نية وتخطيطا وإصرارا ونزعا متعمدا للرحمة وكل هذا لا يمكن وصفه بأنه تصرف طفل أو مراهق
لم تعد القصة قصة حكم بل قصة وطن يريد أن يعرف الحقيقة ويريد أن يفهم كيف وقعت الجريمة وكيف يمكن أن لا تتكرر ويريد أن يطمئن أن دم اسيل لن يضيع ولن يتحول إلى خبر قديم ولن يصبح مجرد ذكرى تمر في صفحات مواقع التواصل ثم تختفي لأن موت اسيل أكبر من الصمت وأكبر من التجاهل وأكبر من أي محاولة لتخفيف غضب الناس بما يسمى حكم قانوني بينما الحقيقة أن العدل لم يتحقق وأن المجتمع لم يشف وأن الغضب لن يهدأ
الناس اليوم يريدون قانونا واضحا يقول إن من يقتل طفلا عمدا يفقد حقه في أي تخفيف وأن من يغتصب طفلة لا يستحق أن يعود للمجتمع بعد سنوات وأن من يسلب طفلة حياتها لا يمكن أبدا أن يوصف بأنه قاصر بل يجب أن يوصف بأنه مجرم كامل الأهلية في بشاعة فعله وفي حجم جريمته وفي أثرها الممتد الذي سيدمر أسرة كاملة ويهز وطنا كاملا ويترك ندبة لن تزول
اسيل اليوم ليست جثة دفنت اسيل اليوم راية مرفوعة وصوت يطالب بالتغيير وصورة تهز الضمير الجمعي وأجراس إنذار يجب أن توقظ كل مسؤول وكل مشرع وكل مؤسسة وكل مواطن لأن المجتمع الذي لا يحمي أطفاله مجتمع يحتاج إلى ثورة أخلاقية وقانونية عاجلة والموت الذي خطف اسيل يجب أن يكون النهاية الأخيرة لأي ثغرة يستفيد منها المجرمون لأن مستقبل الأطفال ليس مساحة للتجارب ولا مجالا للتساهل ولا ساحة لحماية من يعتدي ثم يختبئ خلف كلمة قاصر
اسيل لن تعود ولكن صوتها باق وصورتها باقية وجرحها مفتوح في قلب كل أم وكل أب وكل إنسان لديه ضمير وواجبنا اليوم أن نضمن أن دم اسيل سيكون آخر دم يراق بهذه الطريقة وأن العدالة ستعود أقوى وأن القانون سيتغير وأن المجتمع لن ينسى وأن الغضب سيظل حيا حتى يتم تغيير الحقيقة المرة إلى واقع أكثر عدلا وأمنا ورحمة للجميع

















