في صمت الأيام وتموجات الروح
حين تجلس الروح أمام نفسها بلا ضوضاء بلا ضوء حاد بلا صوت يعرفه أحد تجد أن كل شيء بداخلك يصبح أكثر وضوحا كل همسة وكل نظرة وكل شعور مختبئ في أعماقك يظهر فجأة وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتعلن وجودها وتخبرك بأنك لم تبتعد عنها أبدا وأن كل خطوة خاطئة وكل قرار متردد كان جزءا من الرحلة التي لم تفهمها بعد ومع مرور الوقت تدرك أن الإنسان ليس بحاجة إلى أن
يفهم كل شيء حتى يظل يمشي بل يكفي أن يشعر بالخطوة التالية التي يقودها قلبه دون أن يسأله العقل عن سبب أو نتيجة وفي صمت الأيام ترى أن كل شخص قابلته وكل وجه مررت بجانبه وكل كلمة لم تقل وكل لمسة لم تُمنح كانت تترك أثرا داخل الروح يشبه نقشا دقيقا لا يراه سوى من يعرف كيف ينظر بعيني قلبه وتكتشف أن الحياة ليست سلسلة من الأحداث بل نسيج معقد من المشاعر
والأفكار والانطباعات التي تتجمع لتصنع منك ما أنت عليه الآن وما ستكون عليه لاحقا وكل لحظة صغيرة مهما بدت بسيطة هي جزء من ذلك النسيج الذي يشكلك ومع هذا الفهم تبدأ أن تتقبل أن الطريق لا يسير دائما نحو ما ترغب فيه مباشرة بل يتعرج ويعود ويصطدم ويختبر صبرك على كل شيء وأن كل ألم وكل فرح وكل خيبة كانت ضرورية لتعليمك كيف تصبح أكثر يقظة وأكثر صبرا
وأكثر معرفة بما تستحق وما لا تستحق وكيف تتعامل مع ما يأتيك من الداخل قبل أن تتعامل مع ما يأتيك من الخارج فالقوة الحقيقية ليست في الانتصار على الآخرين بل في القدرة على مواجهة نفسك والتصالح معها وفي لحظات طويلة من الليل تجد نفسك تتساءل عن الوقت وعن المكان وعن معنى كل ما مررت به وعن لماذا شعرت فجأة بأن بعض الذكريات لا يمكن نسيانها وأن بعض الوجوه لا يمكن
أن تمحى من العقل رغم أن الواقع يقول العكس وأن الحب والعطاء والخيبة والفرح والغضب كلها تتجمع لتترك لك طاقة داخلية تشبه نهر لا ينقطع يجري بهدوء تحت الأرض لكنه يظهر أحيانا فوق السطح ليذكرك بأنه ما زال موجودا وأنه جزء منك وأنه سيظل يرافقك مهما حاولت تجاهله وتدرك بعد ذلك أن الإنسان يمضي في الحياة محملا بهذا النهر الداخلي من المشاعر والخبرات والتجارب
وأن كل مرة يحاول أن يهرب من شيء بداخله يكتشف أنه لم يهرب من شيء بل اكتشف طريقا جديدا لفهمه وأنه مهما حاول أن يغير مجرى النهر سيجد نفسه يسير معه لأنه جزء من تكوينه وأن كل مواجهة لكل لحظة ألم أو فرح أو سرور كانت تعلمه الصبر والمراقبة والقدرة على أن يرى العالم كما هو وليس كما يتمنى أن يكون ومع استمرار الأيام وتوالي اللحظات تصبح الروح أكثر وعيا وأكثر
حساسية وأكثر قدرة على قراءة ما بين السطور وفهم ما وراء الكلمات وفهم ما وراء الصمت وفهم ما وراء نظرات الآخرين وابتساماتهم وحتى صمتهم وتصبح قادرا على أن تفصل بين ما هو مهم وما هو عبء وأن تعرف متى تمضي خطوة للأمام ومتى تنتظر ومتى تصغي لمشاعرك الداخلية ومتى تسمح للعالم أن يكشف عن نفسه ببطء دون أن تضغط أو تفرض السيطرة على الأحداث وفي
هذا الصمت المستمر وفي هذا التدفق الداخلي تشعر بأنك أصبحت أوسع وأكثر قدرة على احتواء كل شيء وأكثر وعيا بأن الرحلة الحقيقية ليست في الوصول إلى مكان أو تحقيق هدف محدد بل في القدرة على السير في النهر الداخلي دون أن يغلق عليك الطريق وفهم كل منحنى وكل التواء وكل لحظة جريان حتى وإن بدا لك في البداية وكأنه بلا معنى لأنك في النهاية ستكتشف أن معنى كل
شيء يكمن في كيفية عيشك لكل لحظة والتفاعل معها وليس في النتيجة النهائية ومع امتداد الأيام وتوالي اللحظات تستمر الحكاية في الداخل كأنها نهر عميق يجري بلا توقف يحمل كل الخبرات والمشاعر وكل أثر تركه أحدهم في حياتك وكل لحظة من الحب والخذلان والفرح والخوف وكل لحظة صمت وكل شعور بالفرح أو الخوف أو الحيرة أو الشوق يصبح جزءا من النهر الذي تشرب منه
الروح وتكبر فيه القوة الداخلية والصبر على الحياة وفهم الآخرين وفهم نفسك وكلما استمر هذا التدفق يصبح الانسان أكثر وعيا بأن كل شيء يحدث لأسباب خفية وأن كل شعور يولد داخله هو جزء من تعليماته الداخلية وأن كل شخص يمر بحياته لا يترك أثره عبثا بل يترك علامة على الجدار الداخلي للقلب لتذكره بما هو حقيقي وما هو وهمي وما يستحق المحاولة وما يستحق التجاهل ومع
مرور الوقت تصبح التجارب أكبر وأكثر كثافة وتصبح الأحداث اليومية جزءا من دروس الحياة الصغيرة التي يلتقطها الإنسان دون وعي لتصبح مرآة لنفسه وتبدأ كل لحظة جديدة تحمل معها احتمالات مختلفة ليتعلم كيف يتعامل مع الضغوط وكيف يرى نفسه في مرآة العالم وكيف يسمح للروح أن تتحرك بحرية بين الماضي والحاضر وبين ما يمكن أن يكون وبين ما هو واقع ومع كل
يوم يمر يبدأ الإنسان أن يرى خطوط حياته تتداخل وتتقاطع مثل نهر له عدة مسارات لكنه يظل يسير في النهاية نحو البحر الداخلي الذي يمثل ذاته الحقيقة الذي لا يمكن لأي أحد آخر الوصول إليه سوى هو ومع امتداد السرد الداخلي يصبح الانسان واعيا بأن كل لحظة تمر عليه مهما بدت صغيرة تحمل درسا مهما وكل شعور بالحب أو الخوف أو الشوق أو الغضب يشبه موجة تمر على النهر
الداخلي وتترك أثرها ويصبح هذا الوعي جزءا من القوة الداخلية التي تمنحه القدرة على مواجهة الصعاب وفهم ما حوله بطريقة لم يكن ليدركها قبل هذا الوعي ومع هذا الامتداد الطويل للحياة اليومية والنهر الداخلي للروح يكتشف الانسان أن الرحلة الحقيقية ليست في الوصول إلى النهاية بل في القدرة على السير في الداخل وفهم كل شعور وكل لحظة وكل خطوة والتعلم منها ويصبح كل
يوم جديد صفحة جديدة يكتبها بقلمه الداخلي في كتاب الحياة ويظل السرد مستمرًا بلا توقف بلا انقطاع لأنه انعكاس لما هو داخل الروح وما يعيشه الانسان ومع هذا الوعي يدرك أن كل لحظة وكل شعور وكل تجربة مهما بدت بسيطة هي جزء من نهر الحياة الداخلي الذي يشكله ويقوده نحو فهم أعمق للذات ومع مرور الأيام تصبح الروح أهدأ وأكثر ثباتا وأكثر قدرة على احتواء العالم حولها
وتصبح كل لحظة من الحب والخوف والشوق والفقدان والعطاء والتجربة تجربة صافية تقوي النهر الداخلي وتج
عل الحياة رحلة مستمرة بلا نهاية


















