18:10 | 23 يوليو 2019

هدنة الفاشر مناورة لا علاقة لها بالإنسانية

10:44pm 24/11/25
عصران الراوي

عندما خرج الفريق محمد حمدان دقلو معلنا هدنة إنسانية في الفاشر حاول أن يقدم نفسه كقائد يضع حياة المدنيين فوق الحسابات العسكرية لكن الحقيقة التي لا تحتاج إلى كثير من التحليل أن هذه الهدنة ليست أكثر من ورقة سياسية جديدة في معركة النفوذ داخل السودان ورغبة واضحة في إعادة غسل صورته بعد شهور من المواجهات الدامية التي لم تبق للخطاب الإنساني أي معنى

 

دقلو يتحدث وكأنه حامل راية السلام لكنه في الواقع يمارس واحدة من أكثر ألعاب السياسة مكرا استخدام المعاناة الإنسانية كذريعة لتثبيت مواقع جديدة على رقعة الصراع إعلانه الانفتاح على آليات رقابية دولية ليس دليل شفافية بل محاولة ذكية لمد خيوط الثقة نحو المجتمع الدولي بحثا عن غطاء سياسي يخفف عنه ضغوط المرحلة بينما يظل الواقع الميداني مرهونا لقواته وقراراته

 

أما استثناء الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان من أي عملية سياسية شاملة فهو ليس موقفا مبدئيا كما حاول أن يقدمه بل جزء من استراتيجية إقصاء لإحكام السيطرة على المرحلة المقبلة فالحديث عن عملية سياسية شاملة بينما يتم تحديد المشاركين مسبقا هو تناقض يكشف حقيقة الهدف صناعة مشهد سياسي مفصل على مقاسه لا مشهد وطني جامع

 

الخطاب الذي يرفع شعار العدالة وعدم الإفلات من العقاب يبدو في ظاهره مثاليا لكنه عمليا يخفي سؤالا خطيرا من سيحاسب من وكيف يمكن لقائد عسكري غارق في صراع دموي أن يوزع صكوك العدالة بينما الوقائع نفسها تشهد فظائع وانتهاكات لا يمكن غسلها بتصريح أو وعد

 

هذه الهدنة ليست ضمانة لوقف إطلاق النار بل ضمانة لتمديد مساحة الحركة السياسية لقائد يريد أن يعيد تعريف نفسه أمام الداخل والخارج إنها محاولة لإعادة تشكيل صورته من قائد قوة عسكرية إلى رجل دولة دون أن يقدم أي دليل حقيقي على أنه مستعد للالتزام بمسار سياسي تحكمه قواعد الدولة لا موازين القوة

 

ما حدث في الفاشر ليس خطوة نحو السلام بل خطوة داخل لعبة أكبر عنوانها إعادة توزيع النفوذ وصناعة شرعية ميدانية جديدة الهدنة هنا ليست هدفا بل وسيلة والإنسانية ليست دافعا بل واجهة والسودان يدفع ثمن الصراع بين القوى التي تتحدث عن العدالة بينما تمارس العكس وتلوح بالسلام بينما تستثمر في استمرار الأزمة

 

هذه ليست هدنة هذا تكتيك وهذه ليست رسائل طمأنة بل رسائل قوة والمشهد السوداني اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الشعارات بل يحتاج إلى مكاشفة سياسية تقول بوضوح كل طرف يحاول تثبيت نفسه لا أكثر والإنسانية آخر ما يفكر فيه

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum