18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب : قلب تحت عباءة القانون (الجزء الأول ...زوجتى ورداء مهنتها )

3:32pm 11/10/25
عبدالحى عطوان
عبد الحى عطوان

لم يكن "عبدالله" يتخيل يومًا أن يخرج من بيته مكسورًا بهذا الشكل، لا بسبب خسارة معركة، بل بسبب حربٍ لم يخضها أصلًا.
كان يظن أن الزواج من امرأة متعلّمة، مثقفة، تعرف القانون والعدل، هو عنوان أمان لحياة يسودها المودة والرحمة.
لكنه لم يكن يعرف أن معركته ستكون مع أنثى تحفظ القانون عن ظهر قلب… وتنسى القلب ذاته.
في لحظة غضبٍ عابرة، ومشاجرةٍ مؤقتة، انزلقت يده عليها دون وعي… ولم يدرِ أن تلك اللحظة ستكون بداية النهاية.
غلطة واحدة، لكنها انقلبت عليه كأنها حكمٌ مؤبّد بلا نقضٍ ولا استئناف.
لم يغالبه النعاس فقد قضى ليلته بين التفكير والارهاق حتى لاح ضوء الصباح فخرج من جدران حجرته، لم يجد في البيت امرأةً تبكي أو تنتظر الصلح، بل محاميةً تُعد دفاترها ،تكتب المذكرات، وتُجهّز التهم، وتغمس قلمها في حبرٍ من كبرياءٍ لا يعرف الصفح.كل ما يمكن أن يخطر في بال محكمة الأسرة كان اسمه في صدره: “المدعى عليه”.
واحدة… اثنتان… ثلاث عشرة قضية.
صار وجهه مألوفًا للموظفين  فقد حفظوا خطواته ملابسه حتى سمع ذات يوم إحداهن تهمس لزميلتها: "ده زوج المحامية صاحبتنا!"ابتلع الكلمة وكأنها سيفٌ يمزق أحشاءه.
وبرغم أنه حاول كثيرًا أن يمدّ يده بالمصالحة، بالكلمة الطيبة، بالاعتذار، لكنه لم يجد سوى جدرانٍ صمّاء لا ترى فيه سوى خصمٍ قانوني لا رجلًا أحبّته يومًا. وقانون أعمى وضعه أناس لا يعرفون شيئاً عن القانون ولا عن الرحمة والإنسانية والمشاعر التى قد تقتل بسبب جهلهم حتى باتت جدران كثيرة  تهشمت بسبب تشريعاتهم .
كان يقف بين جدران المحكمة كمن يقف عاريًا في مهبّ الريح، لا يملك سوى صمته، ولا يجد له مأوى إلا في عينيه المنكسرتين.
بينما كانت هي تنظر إليه بعين المنتصر في ساحة القضاء، لا بعين الزوجة التي كانت يومًا تُقسم له بكل تراتيل العشق والهيام.
ومنذ تلك اللحظة، أدرك "عبدالله" أن بعض القلوب حين تلبس عباءة المهنة تنسى إنسانيتها، وتظن أن العدل لا يسكن إلا في أوراق القضايا.فهي لم تعد زوجة تبحث عن بيت، بل خصمًا يبحث عن حكم.ولم يعد هو الرجل الذي أحبها، بل رقمًا باردًا في دفتر دعاوى لا ينتهي.
جلس ذات مساء أمام نافذتة الصغيرة، ينظر إلى الشارع يراقب المارة يتأمل عم محمود بائع الخضار ويتذكر حينما كان يهم بالشراء ودعواته وكلمته الشهيرة" لا تفرح بالبدايات " ويقول لنفسه:"ما أقسى أن تُعاقب على لحظة ضعف… وما أوجع أن يتحول البيت إلى محكمة، والقلب إلى ملف."
وضع رأسه بين يدية و أغمض عينيه في مرارةٍ هادئة:"لقد هالت عليّ القضايا بيد القانون، لكنني ما زلت أحمل لها في داخلي بقايا حنينٍ يتيمٍ… ككتابٍ فقد غلافه، وما زال محتواه يبكي."
تذكر اللقاء الأول… الثوب الأسود، الوشاح المزركش بعبارات العدل، النظرات التي آسرته، الكلمات التي سحرته، البدايات التي كانت كقصيدةٍ غزل مصنوعة من مفردات جمل جعلته هائماً على وجهة ! ثم ابتسم بمرارة، فقد أدرك أن الغد يحمل جلسة جديدة… في ذات المحكمة التي شهدت أول نظرة حب، وأصبحت الآن بيته الثاني من كثرة القضايا والأوراق.
وفى صباح اليوم التالى. توقّف أمام باب المحكمة، كأن خطواته ترفض أن تُكمل، وكأن قلبه ما زال يراها هناك… بين المرافعات والملفات، امرأة لا يعرفها، لكنها تحمل اسمه وتُحاكمه في الوقت نفسه.
ابتسم في وجعٍ وهمس لنفسه: "ربما لم تنتهِ القصة بعد… فبعض المعارك لا تُحسم بحكم، بل بما تبقّى في القلب من وجع." فالحكايةٍ لم تنتهي بعد، فالقادم يحمل ما هو أعمق من الخصومة، وأقسى من الفقد…
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum