الساعة التي لا يراها احد
هناك ساعة تمر على كل انسان في حياته ساعة لا تظهر في التقويم ولا يسمع صوتها في الجدران ساعة تحدث في الداخل فقط حين يهدأ كل شيء فجأة دون ترتيب حين يجد الانسان نفسه وجها لوجه امام ذاته بلا اقنعة ولا اعذار في تلك اللحظة القصيرة الطويلة معا يتوقف الجري ويتباطأ النفس ويخرج سؤال لم يكن مسموحا له بالخروج من قبل ماذا افعل بحياتي ولماذا اشعر انني غائب عنها
في هذه الساعة يرى الانسان مساره كاملا لا كحكاية يرويها للاخرين بل كحقيقة يعيشها يدرك كم مرة اختار السهل على حساب الصادق وكم مرة اجل حلمه بحجة الحكمة وكم مرة صمت حفاظا على الاستقرار حتى صار الصمت هو الاستقرار يرى كيف تحولت القوة الى درع وكيف صار الانشغال وسيلة للهروب وكيف تعلم ان ينجو لا ان يعيش هذه الساعة لا توبخ ولا تعاتب لكنها تكشف تضع
كل شيء في مكانه الحقيقي دون تزيين تجعله يفهم ان التعب الذي يحمله ليس من كثرة المسؤوليات بل من غياب المعنى وان الثقل الذي يشعر به ليس في الطريق بل في السير عكس نفسه طويلا يفهم ان الوقت لم يسرقه بل هو من تركه يمر دون ان يمسكه
كثيرون يمرون بهذه الساعة ثم يغلقون الباب يعودون الى الضجيج بسرعة يملأون الايام بمواعيد واصوات حتى لا تعود الاسئلة لكن
قلة قليلة تختار ان تبقى دقائق اطول تسمح للحقيقة ان تكمل جملتها تسمح للقلب ان يقول ما كان مؤجلا هنا فقط يبدأ التحول الحقيقي لا بصوت عال ولا بقرارات درامية بل بتغيير هادئ في الاتجاه بعد هذه الساعة لا تصبح الحياة اسهل لكنها تصبح اوضح يعرف الانسان لماذا يتحمل ولماذا يرفض ولماذا يواصل ولماذا يتوقف يبدأ في احترام حدوده وفي الاستماع لاشاراته الصغيرة
وفي اعطاء نفسه قيمة لا تقاس برضا الاخرين بل بسلامه الداخلي يفهم ان الشجاعة ليست في الهروب من الخسارة بل في اختيار ما يشبهه حتى لو كان الثمن تمضي الايام وتظل هذه الساعة علامة لا تمحى مر بها ذات ليلة او صباح او لحظة صمت مفاجئة علامة تقول ان هناك نقطة وعي واحدة قادرة على اعادة ترتيب كل شيء اذا امتلك الانسان الصدق الكافي ليعترف والشجاعة الكافية ليستمر
وهكذا تكون الساعة التي لا يراها احد هي بداية النهاية ونهاية البداية نهاية العيش بالصدفة وبداية العيش بالوعي نهاية الدور وبداية الذات نهاية الخوف الذي يقود وبداية القلب الذي يعرف طريقه دون ضجيج ودون شهود لكنها لحظة تصنع انسانا جديدا قادرا على ان يعيش حياته لا كما فرضت عليه بل كما اختارها اخيرا
