الاشياء التي تفقدنا ببطء ونحن نعتقد اننا بخير
لا يحدث الانهيار دائما بشكل مفاجئ ولا يأتي الفقد على هيئة صدمة واضحة احيانا يحدث كل شيء ببطء شديد لدرجة اننا لا ننتبه الانسان لا يستيقظ يوما ليجد نفسه تائها بل يضيع خطوة خطوة وهو يظن انه يتقدم يفقد اشياءه المهمة دون ضجيج دون اشارة انذار دون وداع حقيقي يفقد الانسان شغفه اولا وهو يبرر ذلك بالتعب ثم يفقد دهشته ويقول انه نضج ثم يفقد صوته
الداخلي ويقنع نفسه ان الصمت حكمة ومع كل فقد صغير يتكيف ويواصل حتى يصل الى مرحلة يعتقد فيها انه بخير بينما هو فقط اعتاد الغياب هناك اشياء لا ننتبه لفقدها لانها لا تختفي دفعة واحدة تختفي على مراحل الاحساس البسيط بالفرح القدرة على الحلم بلا حساب الجرأة على قول ما نشعر به الصدق مع الذات هذه الاشياء حين تضعف لا نلاحظها لان الحياة تستمر ولاننا نتعلم ان ننجز دون
ان نشعر الانسان يتعلم كيف يؤدي دوره بشكل ممتاز يذهب يعمل يضحك في المكان المناسب يصمت في الوقت المناسب ويتجنب الاسئلة التي قد تفتح ابوابا لا يريد فتحها ينجح في الظهور متماسكا بينما داخله يعيش حالة انفصال هادئة لا يراها احد
اخطر ما في الامر ان هذا الفقد يصبح طبيعيا مع الوقت يصبح الاعتياد بديلا عن الرضا ويصبح الاستقرار اسما اخر للجمود ويصبح
الامان مجرد غياب للمفاجآت لا حضور للطمأنينة الانسان هنا لا يتألم بشكل واضح لكنه ايضا لا يحيا نخسر انفسنا حين نؤجلها كثيرا حين نقنعها ان الوقت غير مناسب وان الظروف لا تسمح واننا سنعود لاحقا هذا اللاحقا الذي لا يأتي ابدا نخسرها حين نضع الجميع قبلها وحين نمنح طاقتنا في اتجاهات لا تعود علينا بشيء وحين نخاف من التغيير اكثر من خوفنا من البقاء كما نحن
الوقت لا يسرقنا فجأة بل يقايضنا يعطينا شعورا زائفا بالامان مقابل ان نتنازل عن جزء من حقيقتنا ومع كل تنازل نظن اننا نكسب شيئا بينما نحن فقط نخسر ببطء وفي لحظة غير متوقعة لحظة هادئة تماما دون سبب واضح نشعر بثقل لا نفهمه حزن بلا اسم فراغ لا تفسير له هنا فقط ندرك اننا فقدنا شيئا مهما منذ زمن طويل لكننا لا نعرف متى ولا كيف هذه اللحظة ليست ضعفا بل اشارة ليست نهاية
بل بداية محتملة بداية وعي متأخر يخبرنا ان ما فقد يمكن استعادته اذا امتلكنا الشجاعة ان نتوقف وان ننظر بصدق وان نعترف اننا لسنا بخير كما ادعينا الحياة لا تطلب منا الكمال لكنها تطلب الحضور لا تطلب منا ان نكون اقوياء طوال الوقت لكنها تطلب ان نكون صادقين مع انفسنا لان اقسى انواع الخسارة ان نعيش اعمارا كاملة ونحن نظن اننا بخير بينما نحن فقط غائبون
وهنا يصبح السؤال الاهم ليس ماذا فقدنا بل متى سنقرر ان نستعيد انفسنا قبل ان نعتاد غيابها تماما وقبل ان نصبح غرباء عن ارواحنا ونحن ما زلنا على قيد الحياة


















