18:10 | 23 يوليو 2019

محمد النادي: الجغرافيا السياسية … البوصلة الخفية في تشكيل المشهد الانتخابي

3:14pm 16/11/25
محمد النادي
محمد غزال

أوضح محمد النادي خبير الجغرافيا السياسية أمين عام التعليم بحزب مصر 2000أنه لم تعد الجغرافيا السياسية علمًا جامدًا يُدرَّس في قاعات الجامعات فقط، بل أصبحت أداة فاعلة في فهم السلوك السياسي وصناعة القرار، خصوصًا في فترات الانتخابات البرلمانية. فهي تضع الخريطة الجغرافية في قلب العملية الديمقراطية، وتربط بين المكان والإنسان والقرار، لتكشف كيف تؤثر طبيعة البيئة والموارد والسكان والحدود على اتجاهات التصويت وتوزيع المقاعد، بل وعلى نوعية الخطاب السياسي ذاته.

توزيع الدوائر … العدالة عبر الجغرافيا

تلعب الجغرافيا السياسية دورًا جوهريًا في تحديد شكل الخريطة الانتخابية، إذ تُبنى الدوائر على أساس التوزيع الجغرافي للسكان، لضمان تمثيل عادل بين المناطق الريفية والحضرية، ومحافظات الصعيد والدلتا والمدن الساحلية.
ولا يتوقف الأمر عند مجرد تقسيم إداري، بل يمتد إلى تحقيق التوازن الإقليمي في عدد المقاعد البرلمانية بما يعكس الوزن الديموغرافي لكل محافظة. كما تضمن الدقة في رسم الحدود الانتخابية عدم تداخل المصالح، ووجود تمثيل حقيقي للكتلة السكانية داخل كل دائرة.


من الجغرافيا إلى الخطاب السياسي

تتجاوز الجغرافيا السياسية الجانب الفني إلى البُعد الاستراتيجي في توجيه البرامج الانتخابية. فاحتياجات المواطن في المدن الساحلية تختلف جذريًا عن احتياجات المواطن في الصعيد أو الواحات.
فبينما تتركز أولويات الأولى على السياحة والاستثمار البحري، تبرز في الثانية قضايا البنية التحتية والزراعة والتنمية الريفية. هذا الفهم الدقيق لطبيعة المكان يمكّن الأحزاب من صياغة برامج واقعية وفعّالة تتماشى مع خصوصية كل منطقة.

كما تساعد الجغرافيا السياسية في اختيار المرشحين الأنسب لكل دائرة؛ فالشخصية المقبولة في بيئة قبلية تختلف عن تلك التي تنجح في بيئة حضرية متحضرة. ومن خلال تحليل “الخريطة الانتخابية”، يمكن تحديد مناطق القوة والضعف لكل حزب أو مرشح، وتوجيه الحملات الميدانية والإعلامية نحو المناطق الأكثر تأثيرًا.


سلوك الناخبين … انعكاس البيئة والمجتمع

يختلف سلوك الناخبين من منطقة إلى أخرى وفقًا للعوامل الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية. فالمناطق الحضرية تشهد عادة مشاركة تقوم على البرامج والرؤى السياسية، بينما تتأثر المشاركة في الريف والبادية بالانتماءات العائلية والقبلية.
وتلعب الظروف الاقتصادية دورًا حاسمًا في قرارات التصويت؛ فالمناطق التي تعاني من البطالة أو ضعف الخدمات تميل إلى التصويت لمن يقدّم حلولًا عملية لقضاياها المحلية، أكثر من انشغالها بالشعارات الوطنية العامة.


التنمية المستدامة … ثمرة الوعي الجغرافي

حين يقوم التمثيل البرلماني على إدراك عميق للجغرافيا السياسية، تتحول العملية الانتخابية من سباق على المقاعد إلى مشروع تنموي متكامل.
فكل نائب يدرك احتياجات منطقته الخاصة ويعمل على صياغة تشريعات تخدمها، فتتحقق التنمية الإقليمية المتوازنة، ويتحول البرلمان إلى أداة لتحقيق العدالة في توزيع الموارد والخدمات.


ختامًا

إن الجغرافيا السياسية ليست مجرد علم يفسر الظواهر، بل بوصلة استراتيجية تُوجّه الأحزاب والمرشحين وصنّاع القرار نحو فهم الواقع المحلي بكل تعقيداته.
ومن دون هذا الفهم، تصبح الانتخابات عملية شكلية تفتقر إلى العمق والعدالة.
أما حين تُوظَّف الجغرافيا السياسية بذكاء، فإنها تعزز من نزاهة العملية الديمقراطية، وتُسهم في بناء برلمان يُعبّر حقًا عن خريطة مصر الاجتماعية والاقتصادية، ويكون سندًا قويًا لمسيرة التنمية الوطنية.

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum