18:10 | 23 يوليو 2019

رشاوى الانتخابات... هل ارتاح ضميرُكم يا سماسرةَ الأصوات؟

12:16pm 13/11/25
صورة أرشيفية
أحمد الشبيتي

أيها السماسرةُ الذين تاجرتم بأصواتِ الفقراء والمحتاجين، هل ارتاحَ ضميرُكم حين وضعتم في يدِ أمٍّ مطلقةٍ أو أرملةٍ أو شيخٍ كبيرٍ بعضَ النقودِ أو طردَ غذاءٍ مقابلَ ورقةِ اقتراع؟ هل تنامون مطمئنين وأنتم تعلمون أنكم شطرتم مستقبلَ أسرةٍ وبيعتم حقّ الأبناء في أن يكون لهم من يدافع عنهم ويشرّع لهم؟
ما رأيناه في الشارع هو فضيحة كبرى. الشابُّ، والفتاةُ، والرجلُ الطاعنُ في السنّ، والمَرأةُ المؤهَّلةُ للعمل — كثرٌ منهم لم يخرجوا إلاّ من أجلِ هذا الدعمِ النقديّ والعينيّ. خرجوا لا من أجلِ برنامجٍ أو رؤية، بل من أجلِ كيسٍ أو ورقةٍ تُملأ بالوعود، أو رسالةٍ تُرسَلُ لهم بأن الصوت أصبح سلعةً تُباعُ وتُشترى. إنّ تفاوتَ الأسعارِ بين مكانٍ وآخر، وتأجيلُ صرفِ الدعمِ إلى آخرِ اليوم أو اليومِ التالي ليُرى من زادَ في "العطاء"، كلّ هذا يروّع ويشيبُ الرأسَ من هولِ ما نَشهدهُ من تلاعبٍ وتجارةٍ مُقنّعة.
من أعطيتموهُ الرشوةَ لم يقرأ برامجَ مرشّحٍ، ولم يسأل عن رؤيته، ولم يعرف كيف ستتغيّر حياته أو حقوقه أو مستقبله. خرج إلى الصندوقِ لأن بطنَهُ عُرضت عليه لقمةٌ وكيّسُ سِلعٍ. هل تَحسبون أن هذا عدل؟ هل تظنون أن صوتًا يُشترى سيحفظ للبلدِ كرامته أو يقود مؤسساته بنزاهة؟ لا والله.
أقولها لكم بكلّ وضوحٍ: ما أعطيتموهُ يُحفر لكم حسابًا في الدنيا قبل الآخرة. فقد ضيّعتم خمسَ سنواتٍ من عمرِ إنسانٍ كان يأملُ في تعليمٍ أفضلٍ، أو علاجٍ أو مشروعٍ صغيرٍ يُخرجهُ من دائرةِ الفقر. ضيّعتم حلمَ جيلٍ صغيرٍ يحقِّقُ لأنفسِه مستقبلاً كريمًا. زرعتم في رُؤوسِ الناسِ فكرةً حقيرةً: أن الصوت بثمنٍ ماديٍّ، لا حقٌّ مقدّسٌ يُقرّرُ مصائرَ الأجيال.
هل فكرتم كيف سيتردّى مجتمعٌ تُسوَّق فيهُ القيمُ بالمال؟ إن الأموالَ التي تحملونها اليوم إلى بيوتٍ يائسةٍ ستُثمرُ غدًا فسادًا وهدرًا وفقدانًا للثقةِ بين الناس. لن تُبنى مؤسساتٌ قويةٌ بهذا التداولِ، ولن تُشرع قوانينٌ تُخدمُ المواطن إذا ما بُيع صوتُ المواطنِ قبل أن يفهم ويختار.
أوجه ندائي إلى أهالينا البسطاء: لا تبيعوا صوتَكم. الصوتُ أمانةٌ ونورٌ يضيء مستقبلَ الأولاد. من يأخذ المالَ اليوم سيُحاسِبُ ضميرَهُ غدًا أمام أبناءه، وسيُحاسِبُه التاريخ. ومن يشتري صوتًا اليوم، سيجلبُ على بلدهِ عزوفًا عن الحقّ وفسادًا يُكلّفُ الجميع.
وأخاطبُ السماسرةَ والحاضنين: خافوا الله في بيوتٍ لم تستطع السُّلطاتِ أن تحميها من الفقر، ولا تزدادوا من آلامِهم طمعًا أو استغلالًا. ستُسألون عن كلِّ ورقةٍ اشتريتموها، عن كل وعدٍ باطِلٍ أعطيتموه، عن كل مستقبلٍ مزوَّرٍ صنعتموه بشراءٍ مؤقتٍ. أنظِروا إلى بيوتِكم وإلى أولادِكم؛ المالُ الذي يدخلُ الآن سيُؤدّي إلى الخرابِ والدمارِ في بيوتكم غدًا إن بُنيَ على باطلٍ.
إنّ ما نراه في الشوارع اليوم ليس مجرّد عمليةٍ انتخابيةٍ فاسدةٍ فقط؛ بل ورثٌ من حقارةٍ وتجارةٍ بالأمانة. زرعتم في أذهانِ الناسِ أن الصوت مُباع، وأن المواطن لا قيمةَ لوعيه، بل لقيمتهِ المالية المؤقتة. هل هذا يكون ضميركم أيها السماسرة؟ هل ارتحت ضمائركم أنتم الخائنون للوطنِ وللأمةِ بأسرها حين زرعتم هذه الفكرة في رؤوسِ المحتاجين؟
في الختام: الانتخاباتُ ليست مزادًا، ولا سوقًا تُعرضُ فيهُ القيم. هي مصيرٌ تُحسم بهِ أمورُ الناسِ وحقوقُهم. احفظوا كرامةَ المواطنِ، واحفظوا أمانةَ الصندوقِ والمقعدِ. ولأهلِ الحقّ أقول: اصمدوا، وادافعوا عن صوتِكم، فهما لا يباعان ولا يُبادلان.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum