أبو غزالة القائد الذى ظلمه التاريخ
لم يكن المشير عبد الحليم أبو غزالة رجلًا عاديًا، بل كان أسطورة عسكرية تسير على الأرض وقائدًا فريدًا من نوعه، جمع بين الصرامة والانضباط والولاء المطلق للوطن. كان من القلائل الذين لم يسمحوا أن تُباع مصر فى صفقات السياسة أو أن تُدار شؤونها بإملاءات خارجية.
تولى أبو غزالة راية الجيش المصرى فى مرحلة صعبة بعد نكسة 1967، وشارك بفاعلية في إعادة بناء القوات المسلحة حتى تحقق النصر العظيم في حرب أكتوبر 1973. لكنه لم يكتفِ بأن يكون قائدًا في المعركة، بل حمل حلمًا أكبر وهو أن تمتلك مصر سلاح الردع العربي الحقيقي.
من هنا بدأ مشروع “كوندور 2” الصاروخي، الذي جمع بين مصر والأرجنتين والعراق بهدف تصنيع صاروخ بعيد المدى قادر على تغيير موازين القوة في المنطقة. جرى المشروع بسرية تامة، وتم تهريب مواد دقيقة تستخدم في تصنيع الرؤوس الصاروخية عبر شبكات معقدة، لكن المخابرات الأمريكية كانت تتابع بصمت حتى فجّرت القضية واتهمت المهندسين المصريين بتهريب مواد محظورة، مطالبة القاهرة بتسليمهم فورًا.
فى تلك اللحظة الحرجة، ظهر معدن القائد الحقيقى. قال أبو غزالة كلمته التى خلدها التاريخ: لن أُسلّم رجلًا من رجالى هؤلاء ينفذون أوامرى وأنا وحدى المسؤول عنهم. رفض التعاون مع التحقيقات الأمريكية، واختار الدفاع عن كرامة الجيش ومهندسيه مهما كان الثمن.
وجاء الثمن باهظًا فعلًا ففي مارس 1989 صدر قرار جمهورى مفاجئ بإقالته من منصب وزير الدفاع وتعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها إبعاد هادئ لرجل لم يرضَ بالخضوع. رحل أبو غزالة عن عالمنا عام 2008 بصمت، دون وداع رسمى يليق بمقامه أو احتفاء يوازي تاريخه وكأن مشروعه الذي وُئد قد لفه الغياب أيضًا.
لكن فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسيى عاد اسمه إلى الواجهة بعد سنوات من التجاهل حيث أُطلق اسمه على دفعات من خريجي الكليات العسكرية وظهرت صوره مرفوعة فى احتفالات التخرج تكريمًا لتاريخه ودوره الوطنى الكبير.
تكريم متأخر لكنه يحمل دلالة عميقة: أن الجيش المصرى لا ينسى رجاله المخلصين.
رحم الله المشير عبد الحليم أبو غزالة القائد الذي لم يبع أحدًا وظل شامخًا حتى وهو يُقصى.



















