18:10 | 23 يوليو 2019

حين يتهجى الحنين أسماء الراحلين

3:01pm 13/11/25
صورة أرشيفية
نشأت البسيوني

في زوايا القلب هناك مقاعد خالية
تجلس عليها الذكريات متدثرة بثياب الغياب
تحدثنا عن الذين مروا كالعطر ثم تلاشى أثرهم
وعن الذين وعدوا بالبقاء ثم رحلوا بلا وداع ولا سبب
يبدو أن الحنين يا صديقي لا يشيخ
إنه فقط يتعلم كيف يتخفى بين التفاصيل
كيف يزورنا كل مساء في هيئة صوت
أو صورة أو رائحة قديمة تشعل فينا ألف وجع دفين
نحن لا ننسى بل نتظاهر بالنسيان
نضحك أمام الناس وقلوبنا تنزف في صمت
نقنع أنفسنا أن الفقد مجرد حدث عابر
لكن الحقيقة أن الفقد يزرع جذوره في أرواحنا
وينمو معنا كظل لا يزول حتى آخر العمر
كم من مرة استيقظنا على صوت الحنين
ينادينا من بين دفاتر الماضي
يسألنا هل ما زلت تذكرين
فنصمت لأن الإجابة موجعة
لأننا نذكر أكثر مما ينبغي
نذكر الوجوه والضحكات واللحظات
التي خطت في القلب كوشم لا يمحى
يا صديقي
الحنين لا يطرق الأبواب
بل يدخل من النوافذ المفتوحة على الذكريات
يجلس في صدر الليل
ويبدأ في سرد الحكايات من البداية
حتى نتورط معه في البكاء
ثم نضحك على وجعنا لأننا ما زلنا نحب ما مضى
كم هو غريب هذا القلب
يعرف أن الماضي لن يعود
ومع ذلك يظل ينتظره على حافة الأمل
يظل يراسل الغائبين بصمت
ويرسل لهم نبضاته عبر الريح
كأن الريح ساعي بريد أمين
يحمل حروف الشوق إلى من لا يسمعون
حين يتهجى الحنين أسماء الراحلين
يتلعثم الحرف وتختنق اللغة
ويبدو أن الكلام نفسه يخاف أن يخطئ النطق
فيتألم مثلنا
نحاول أن نغلق دفاتر الذكرى
لكنها تفتح نفسها كلما لمسنا الحزن
وكأنها كائن حي لا يريد أن ينسى
ربما نحن لا نحتاج أن ننسى
بل نحتاج أن نتصالح مع الغياب
أن نفهم أن بعض الفصول تغلق دون أن تكتب نهايتها
وبعض الوجوه تغادر لتعلمنا كيف نحيا وحدنا
وبعض الرحيل هو الطريقة الوحيدة لتعرف قيمة البقاء
يا صديقي
ليس مؤلما أن يرحلوا
بل أن يبقى في القلب صوتهم
أن تستيقظ في منتصف الليل
لتفتش عن ملامحهم في العتمة
فتجد أن الغياب أكبر من الغرفة
وأعمق من الصمت
وأقسى من الموت نفسه
لكن رغم كل هذا
يبقى في الحنين جمال غامض
كأنه بقايا حب نقي لم يكتمل
يبقى فيه دفء يشبه العودة إلى حضن قديم
وفي كل مرة نكتب فيها عن الراحلين
نعيد إليهم الحياة قليلا
ونعيد لأنفسنا القدرة على البكاء بأدب راق
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum