18:10 | 23 يوليو 2019

في زاوية معتمة تركت قلبي يبرد وحده

12:28pm 15/11/25
صورة أرشيفية
نشأت البسيوني

لم أكن أتخيل يوما أن القلب يمكن أن يصل إلى لحظة يتوسل فيها النهاية لحظة يعلن فيها الاستسلام كما يعلن الجندي المهزوم رمي سلاحه لكن تلك اللحظة جاءت بلا مقدمات ولا إنذار فشعرت بأن شيئا في صدري ينهار بصمت ويتحول من حرارة الحياة إلى برودة 
موت لا رجعة فيه
لم يمت قلبي لأنه ضعيف
مات لأنه صمد أكثر مما ينبغي
لأنه أحب بعمق أكبر مما يستطيع ومنح لمن لا يعرف قيمة المنح وفتح أبوابه لمن دخلوا بأقدام من شوك ظل يقاتل يقاوم يرمم 
شقوقه يعيد بناء نفسه كلما تهدمت بعض جدرانه لكن في النهاية 
حتى الأقوياء يسقطون
وحين سقط لم أصرخ
لم أركض لإنقاذه
بل نظرت إليه كما ينظر المرء إلى شيء يعرف أن إصلاحه مستحيل
ثم أخذته بين كفي وسرت به إلى مكان داخلي لا تطأه الذكريات 
مكان يشبه غرفة مهجورة في آخر ممر الروح
هناك حفرت قبره
لم يكن الدفن طقسا حزينا كما تتخيل القلوب العاقلة كان أشبه بتحرير كأني أعيد إليه راحته كأني أقول له
كفاك وجعا نم
وضعت فوقه بعض التربة الثقيلة وبعض الوعود التي مزقتها الأيام وبعض الأمنيات التي لم تنضج قط شعرت أني أغلق فصلا كاملا من حياتي فصلا كان مزعجا ككتاب ممتلئ بالحبر لكنه بلا معنى
ومنذ ذلك الوقت لم يعد داخلي ما يشبه الخفقة
صار صدري هادئا بشكل مخيف كمدينة أطفئت أنوارها دفعة واحدة
صار عقلي وحده هو من يقودني يختار لي الكلمات يختار لي الخطوات ويرسم لي حدودا لم أعرفها من قبل صرت أرى الحياة بعيون لا ترتجف وأمشي في الطرقات دون ذلك الوخز الذي يسمى إحساسا
لكن الليالي
الليالي تفضح كل شيء
حين يغفو العالم وتبرد الأحاديث أشعر بشيء يشبه النبضة القديمة كأن القلب تحت التراب يلتف حول جسده ويحاول أن يستيقظ
أسمع همسا لا يسمعه غيري
هل انتهى كل شيء
هل تركت هنا وحدي
هل أعود أم أبقى حيث أنا
لكني لا أجيبه
أخاف أن ينهض
أخاف أن يعود ليجرني إلى ذات الدروب التي اختنقت فيها مرارا
أخاف أن يصدق وعدا جديدا أو يتعثر بكلمة أو يفتح بابا لرجل يحسن البداية ويتقن الرحيل
وليس الخوف هو المشكلة
المشكلة أنني لم أعد أعرف إن كنت أريده حيا
فالحياة دون قلب موجوع أكثر هدوءا وأكثر صمتا وأقل تشوشا
لا حب يمتصني لا خيبة تسقطني لا انتظار يذبحني
أمشي كما لو أني ظل لإنسان لا يصيبه شيء ولا يجرحه شيء
ومع ذلك أعترف
في أعماق الأعماق هناك خيط صغير يشدني للوراء خيط يجعلني أتساءل
ماذا لو عاد القلب
ماذا لو نهض من قبره
ماذا لو جرب الحياة مرة أخرى لكن دون أن يسلم نفسه لأحد
لا أعرف الإجابة
ولا أريد أن أعرفها الآن
كل ما أعرفه أن هناك قبرا هادئا داخلي
وفيه قلب مات ودفنته
وتركت فوقه وردة ذابلة وذاكرة مختنقة وجملة تقول
هنا نام من أحب العالم ولم يحبه العالم يوما
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum