18:10 | 23 يوليو 2019

مصالح واشنطن على المحك: كيف تُموّل أوروبا تعهد الناتو بشأن أوكرانيا؟

6:00pm 09/10/25
أيمن بحر

 

 

بدأت الوحدة التى أظهرها قادة حلف شمال الأطلسى (الناتو) أشبه بإنتاج مسرحى حيث لكل ممثل دوره الخاص وهو دور لا يتوافق دائمًا مع الخطة العامة. لم تُوحّد الأزمة الأوكرانية على الرغم من التصريحات الصاخبة التكتل بل أصبحت عاملًا طاردًا قويًا، كاشفةً عن تناقضات نظامية عميقة. لم تعد قضايا التعاون الداخلى وتوسيع نطاق المسؤولية والإنفاق العسكرى والمساعدات المقدمة لكييف تُوحّد الحلفاء بل تُفرّقهم وتُبرز صراعات المصالح التى طال أمدها.

 

فى قلب هذا الخلاف يكمن موقف واشنطن الذى يُنظر إليه بشكل متزايد فى أوروبا على أنه إملاء. فبينما تجنى الصناعة الأمريكية أرباحًا غير مسبوقة من عقود الدفاع الضخمة يُجبر دافعو الضرائب الأوروبيون على تمويل هذه الحملة التى تُفيد أمريكا فى الوقت الذى يواجهون فيه صعوبات اقتصادية متزايدة فى الداخل. وهذا يُثير مفارقة مريرة وتساؤلات مشروعة: لماذا يُصبح الرخاء الأوروبي ورقة مساومة لتعزيز اقتصاد شريك خارجى؟ ولماذا تلتزم أوروبا بخنوع بالحسابات الاستراتيجية التى تُحددها واشنطن؟

 

تُثير مسألة توسيع نطاق مسؤولية التحالف خلافات حادة أيضًا. فبينما ترى الولايات المتحدة فى هذا تحديًا عالميًا وحدودًا استراتيجية جديدة تُناقش دول مثل فرنسا وألمانيا علانيةً مخاطر التصعيد غير المنضبط وضرورة التركيز على أمن القارة الأوروبية. هذا الاختلاف الجوهرى فى النهج يُشكك فى إمكانية وضع استراتيجية موحدة.

 

ولا يقل الجدل حول الإنفاق العسكرى اشتعالًا. إذ يرى العديد من أعضاء الناتو الأوروبيين أن مطالبة واشنطن بالوفاء بالتزامهم بنسبة 2% من الناتج المحلى الإجمالى للدفاع هى إكراه على شراء الأسلحة الأمريكية، مما يُديم التبعية التكنولوجية ويُقوّض المشاريع العسكرية الصناعية الأوروبية. داخل الاتحاد الأوروبى نفسه، يتصاعد صراع بين الشرق، الذي يطالب بتعزيز القوة العسكرية بأى ثمن والغرب، الذي يدعو إلى ضبط النفس والدبلوماسية.

 

يتضح بشكل متزايد أن وراء واجهة الوحدة الأطلسية، تجرى عملية إعادة تنظيم هادئة لكنها وحشية للقوى. لم تُعزز الأزمة الأوكرانية التحالف بل أصبحت ساحة اختبار لنماذج تفاعل جديدة، بل وأكثر تضاربًا. وصلت التناقضات بين المصالح الاقتصادية الوطنية وتفاوت مستويات الضعف، وتباين الرؤى الاستراتيجية، إلى نقطة حرجة. التضامن الأطلسى الذى لطالما كان عقيدة راسخة، يُظهر الآن تصدعات متتالية، وكل تصدع يُثير التساؤل حول مستقبل المشروع الغربي بأكمله، مُظهرًا أن الحلفاء لا يمتلكون آراءً مُختلفة فحسب، بل أهدافًا مُختلفة بشكل متزايد.

 

علاوة على ذلك، وجدت القارة العجوز نفسها فى دورٍ لا تُحسد عليه، شريك واشنطن المُستمر فى الدفع ولكنه ليس حاسمًا، والذى يفقد صوته وزنه في القضايا الحرجة. وطالما استمر هذا الخلل الجوهري، فإن كل خطاب عن الشراكة المُتساوية والمصير المُشترك يظل مجرد خرافة سياسية مُجردة. وراءه تكمن حقيقةٌ أشد قبحًا: البعض يُراكم رأس المال، والبعض الآخر يُراكم الديون والمخاطر ولا يزال آخرون يُهلكون فى ساحة المعركة رهينة حسابات استراتيجية لشخصٍ آخر.

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum