فريد عبد الوارث يكتب: مصر .. حين تنتصر الحكمة وتُحبط المؤامرة دون حرب

في مشهد سياسي إقليمي ملتهب، وقفت مصر كعادتها ثابتة شامخة، تمارس دورها التاريخي بكل اتزان وحنكة، وسط محاولات إقليمية ودولية لجرّها إلى أتون صراع مفتوح في غزة. لكنها، كدولة عريقة صاحبة قرار، أفشلت المؤامرة وخرجت من الأزمة ليس فقط دون حرب، بل محققة إنجازًا استراتيجيًا عزّ نظيره.
فخ غزة... محاولة يائسة لجرّ مصر إلى المعركة
منذ الأيام الأولى لتصاعد العدوان على غزة، بدا جليًا أن هناك من يسعى لاستدراج مصر إلى صدام عسكري أو سياسي، سواء مع أطراف فلسطينية، أو حتى مع قوى دولية كبرى المخطط كان أن تُستفَز القاهرة، فتخرج عن هدوئها، وتُزج في معركة ليست معركتها، في توقيت يخدم أجندات أخرى.
لكن الدولة المصرية قرأت المشهد بدقة، و فككت خيوط الفخ باحتراف. لم تستجب للابتزاز السياسي، و لم تنجرّ وراء الشعارات بل تعاملت مع الأزمة بمنطق الدولة، لا بردود الفعل. وكان ذلك في حد ذاته ضربة استباقية أطاحت بأهداف المخططين.
الرئيس السيسي... رجل الدولة في لحظة العاصفة
في قلب المشهد، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي حاضرًا بكل ثقل الدولة المصرية، لم يكن التحرك ارتجاليًا أو عاطفيًا، بل ضمن رؤية استراتيجية متكاملة أعلن دعم مصر الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت، تحرك سياسيًا ودبلوماسيًا لاحتواء التصعيد ومنع امتداده، دون أن يسمح بأي مساس بالأمن القومي المصري.
السيسي قاد الأزمة من موقع القائد الحكيم، لا الزعيم المتحمس، فرفض تحويل المعركة إلى مواجهة إقليمية أوسع، وأصرّ على الحلول السياسية، مع الحفاظ على ثوابت مصر وكرامتها، فكانت النتيجة أن خرجت القاهرة من الأزمة أكثر قوة، وأكثر احترامًا في أعين العالم.
المخابرات العامة... اليد التي تُفاوض وتُحذّر وتُحسم
خلف الستار، أدت المخابرات العامة المصرية دورًا محوريًا بالغ التعقيد والدقة، لم تكن مجرد وسيط، بل كانت جهة فاعلة، تمارس الضغط، وتنقل الرسائل، وتضع الخطوط الحمراء أرسلت القاهرة إشارات واضحة لإسرائيل بأن تجاوزها للخطوط سيقابل برد لا يُتوقع، وأن صبر مصر ليس علامة ضعف بل حسابات دولة مسؤولة.
المخابرات المصرية كانت حجر الزاوية في تثبيت التهدئة، وجمع الأطراف على طاولة الحوار، وتحقيق اختراق سياسي حقيقي دون اللجوء إلى أي تصعيد عسكري.
القوات المسلحة... حضور الهيبة وردع بلا ضجيج
في الخلفية، كانت القوات المسلحة المصرية تراقب وتستعد، نفذت تحركات استراتيجية محسوبة، أعادت الانتشار في بعض المناطق الحيوية، وأجرت مناورات دقيقة بعثت برسائل رادعة لمن يظن أن مصر يمكن أن تُفاجأ.
الصمت العسكري المصري كان أبلغ من التهديد، فالقوة الحقيقية لا تُقاس بالصخب، بل بقدرة الردع، وهذا ما فهمته تل أبيب جيدًا.
مصر و"حماس"... سياسة الاحتواء رغم الجراح
ورغم ما بدر من حركة "حماس" في سنوات سابقة من تجاوزات خطيرة تمس السيادة المصرية، لم تُغلق القاهرة أبوابها، ولم تتعامل بمنطق العداء، بل بمنطق الدولة الكبرى. فتحت مصر قنوات اتصال، واستمرت في احتضان القضية الفلسطينية، واحتواء فصائلها، إدراكًا منها أن المقاطعة لا تصنع حلولًا.
بل إن القاهرة أتاحت لقيادات "حماس" الإقامة على أراضيها بحرية وكرامة، دون ملاحقة أو تقييد، وهو ما لم تفعله دول أخرى، ففي الوقت الذي ضيّقت فيه قطر على أعضاء الحركة وأجبرتهم على مغادرة أراضيها، و حاولت إسرائيل قتلهم بغارة جوية في قلب الدوحة، كانت مصر تمد يدها، وتحتضن الجميع تحت سمائها، دون أن تساوم على كرامتها أو سيادتها.
إنجاز بلا حرب... ورسالة إلى العالم
النتيجة النهائية؟ مصر أوقفت نزيف الدم في غزة، ومنعت امتداد الحرب إلى ساحات أخرى، وحافظت على توازن علاقاتها الدولية، لا سيما مع الولايات المتحدة، دون أن تتنازل عن ثوابتها أو تخسر موقفها العربي.
خرجت مصر من الأزمة منتصرة سياسيًا، محافظة على كلمتها المسموعة في العالم، ودورها المركزي في كل معادلة تخص أمن المنطقة.
مصر تقول كلمتها... ولا تنتظر إذنًا من أحد
مرة أخرى، تُثبت مصر أنها ليست مجرد دولة ضمن الإقليم، بل صانعة توازناته، تُحسن التوقيت، وتُتقن إدارة الأزمات، وتنتصر بالحكمة لا بالصدام. وفي زمن تتكالب فيه الأزمات، تظل مصر، بقيادتها ومؤسساتها، حائط الصد الأول، وعنوان السيادة الذي لا يُشترى ولا يُباع.