على خط "بارليف" غنينا ع الربابة..

هل ما حدث كان معركة أم ملحمة، أم عبرة، أم عبور، أم ماذا؟ الأهم أنه انتصار واتكتب للأبد في صفحات المعجزات! -نعم المعجزات-، لأنه الإنتصار الذي غير مقاييس الإنتصار على وجه الأرض، ورفع رأس المصريين والأمة العربية والإسلامية، في يوم اتحفر تاريخه في ذاكرة العالم.
بدأت المعركة عندما سرق العدو جزءاً من أرض الوطن وهي "أرض السلام"، وقالت الكذبة الكبيرة، أن رد الأرض من المستحيلات، وبرغم العُدَّة والعتاد الذين يمتلكهم العدو، واعتقاده بأن الساتر التُرابي العظيم هو الحصن الحصين، عزم خير الجنود العبور بعتاد الإرادة المستمدة من الإيمان بالله ، وكانت المياه صلاحهم الذي وُجهه للتحصينات، وتبين أن الساتر التُرابي حليف الجنود البواسل، لأنه من أرض الوطن ولن يخون، وداب التراب لأبنائه ليعبروا بسلام آمنين، وقدم الجنود المفاجأة الكبيرة للعدو في عيد"الغفران"، وعبروا القناة في السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، الساعة ٢ الظهر، سنة ١٩٧٣م، وهم صائمين يرْوُون عطشهم بترديد "الله أكبر.. الله أكبر"..
وكانت الله أكبر هي العبارة الوحيدة التي كانت على لسان جميع المصريين، بعد أن سمعوا بيان العبور.. "هنا القاهرة.. جاءنا الآن من القيادة العامة للقوات المسلحة البيان التالي: نجحت قواتنا في اقتحام قناة السويس في قطاعات عديدة، واستولت على نقاط العدو القوية بها، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.. هنا القاهرة".
ونهار خط "بارليف" في معركة العبور خلال ٦ ساعات، الذي تم انشاءه على مدار عاماً كاملاً، والذي بلغت تكلفة بنائه نحو ٥٠٠ مليون دولار حين ذاك، ويُعد انتصار أكتوبر أول هزيمة عسكرية لإسرائيل على أيدي المصريين وبمساعدة الدول العربية والإفريقية، والإتحاد السوفيتي، وسقطت هيبة إسرائيل وانهارت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".
وغيرت حرب أكتوب مسار الحروب التقليدية، وأصبحت رمزاً عسكرياً يُحتذى به، نظراً لما حققته الحرب من إنجازات عسكرية وتكتيكية غير مسبوقة، وتُدرس الحرب في الأكاديميات والمعاهد العسكرية حول العالم، كنموذج للتخطيط الإستراتيجي العسكري الُمتقن، وعن كيفية تجاوز التفوق التقني والعسكري لإسرائيل من خلال التنفيذ الدقيق للخطة وعنصر المفاجأة.
وانتهت حرب أكتوبر المجيدة بعد نحو ٣ أسابيع من المقاومة والتضحيات، وخرج الأسرى مُرتدين ملابس الشفقة من "غزل المحلة"، وأصبح يوم العبور يوم عيد ووعيد، يوم عيد للمصريين وللعرب، ويُقرر العيد نفس الشعور بالفرح والفخر في كل عام، ومن جيل إلى جيل. ويوم وعيد لأي شخص تسول له نفسه، ويفكر في المساس باستقرار وأمن البلاد.
حرب أكتوبر المجيدة، التي علمت العالم، أن الإيمان والإرادة والعزيمة هم سر الإنتصار.