شخصية وعلامه مع نور سلامه صدام حسين: من قمة السلطة إلى حبل المشنقة.. قصة حياة ونظرة في إرث مثير للجدل

في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، قلّما نجد شخصية أثارت مثل الجدل والانقسام الذي أثاره الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. من صعوده الدموي إلى قمة السلطة، مرورًا بحكمه الحديدي وحروبه المدمرة، وصولًا إلى نهايته المأساوية على حبل المشنقة، تبقى قصة حياة صدام حسين ملحمة معقدة تستدعي التأمل في طبيعة السلطة، وتأثيرها على الفرد والمجتمع.
بدايات متواضعة وصعود دموي:
ولد صدام حسين عبد المجيد التكريتي في قرية العوجة قرب تكريت عام 1937، ونشأ يتيمًا في كنف خاله خير الله طلفاح. انخرط مبكرًا في السياسة القومية العربية وحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي تبنى أيديولوجية الوحدة العربية والاشتراكية. شارك في محاولة انقلاب فاشلة ضد عبد الكريم قاسم عام 1959، ليقضي بعدها فترة في المنفى.
عاد صدام إلى العراق بعد انقلاب عام 1968 الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة. برز سريعًا كشخصية قوية ونافذة في الحزب، ليصبح نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة أحمد حسن البكر. لعب دورًا محوريًا في ترسيخ سلطة البعث وتصفية معارضيه بوحشية، مما مهد الطريق لصعوده إلى الرئاسة عام 1979.
عقود من الحكم الحديدي والحروب المدمرة:
تميزت فترة حكم صدام حسين بالقبضة الأمنية المحكمة، والقضاء على أي معارضة سياسية، وتكريس عبادة شخصية له. سعى إلى بناء عراق قوي وموحد تحت قيادته، واستخدم ثروات البلاد النفطية في مشاريع تنمية ضخمة، وإن كانت مصحوبة بفساد مستشرٍ.
لكن حكمه اتسم أيضًا بالحروب المدمرة التي أهلكت البلاد والمنطقة. ففي عام 1980، أشعل حربًا ضروسًا مع إيران استمرت ثماني سنوات وأزهقت أرواح مئات الآلاف. ثم في عام 1990، غزا الكويت في خطوة أدانتها الأمم المتحدة وأدت إلى حرب الخليج الثانية عام 1991، والتي أخرجت القوات العراقية من الكويت لكنها فرضت على العراق عقوبات اقتصادية خانقة.
إيجابيات حكم صدام حسين (من منظور مؤيديه وبعض المحللين):
* الاستقرار والأمن: حافظ صدام على وحدة العراق وقضى على الحركات الانفصالية، ووفر قدرًا من الاستقرار والأمن الداخلي في فترة مضطربة إقليميًا.
* التنمية والبنية التحتية: شهد العراق في عهده مشاريع تنمية واسعة في مجالات التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية.
* التعليم المجاني والرعاية الصحية: وفر نظام صدام تعليمًا مجانيًا ورعاية صحية مدعمة للمواطنين.
* النهضة القومية العربية: تبنى صدام خطابًا قوميًا عربيًا وحاول لعب دور قيادي في المنطقة.
* مواجهة النفوذ الأجنبي: قاوم صدام النفوذ الأجنبي في المنطقة، وهو ما يراه البعض موقفًا وطنيًا.
سلبيات حكم صدام حسين (الأكثر اتفاقًا عليها عالميًا):
* القمع الوحشي: تميز حكمه بالقمع الممنهج للمعارضين، وعمليات الإعدام والاغتيال والاختفاء القسري.
* انتهاكات حقوق الإنسان: ارتكبت أجهزة الأمن العراقية في عهده انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاعتقالات التعسفية.
* الحروب المدمرة: قاد البلاد إلى حروب طويلة ومكلفة أدت إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة.
* استخدام الأسلحة الكيميائية: استخدم نظامه أسلحة كيميائية ضد شعبه في حلبجة وضد إيران، وهو ما يعتبر جريمة حرب.
* عبادة الشخصية: رسخ نظام صدام عبادة شخصية له بشكل مبالغ فيه وقضى على أي شكل من أشكال التعبير الحر.
* الفساد المستشري: على الرغم من مشاريع التنمية، كان الفساد متفشيًا في نظام حكمه.
الخاتمة: وداعًا لدكتاتور.. وإرث من الجراح والأسئلة:
في التاسع من أبريل عام 2003، سقط نظام صدام حسين بغزو قادته الولايات المتحدة. وبعد ثلاث سنوات من الاختباء والمحاكمة التي شابها الجدل، أُعدم شنقًا في الثلاثين من ديسمبر عام 2006.
رحل صدام حسين تاركًا وراءه إرثًا معقدًا ومثيرًا للانقسام. بالنسبة لمؤيديه، كان بطلًا قوميًا سعى إلى عظمة العراق ومقاومة الهيمنة الأجنبية. أما بالنسبة لضحايا قمعه ومعارضيه، فهو دكتاتور وحشي مسؤول عن مآسٍ لا حصر لها.
يبقى صدام حسين شخصية محورية في تاريخ العراق الحديث، وقصة حياته هي قصة صعود وهبوط سلطة مطلقة، وتذكير دائم بالعواقب الوخيمة للاستبداد والحروب. رحيله لم ينهِ الجدل حول حكمه وتأثيره على العراق والمنطقة، بل تركه أسئلة عميقة حول العدالة الانتقالية، ومستقبل العراق، وكيف يمكن للمجتمعات تجاوز تركة الماضي المؤلم. إن تابين هذه الشخصية المثيرة للجدل ليس مجرد توديع لرجل، بل هو تأمل في حقبة تاريخية مليئة بالجراح والدروس التي لا تزال تلقي بظلالها على حاضرنا.