فلسطين البوصلة... حين تضيع القدس، تتوه الأمة

"إذا ضاعت فلسطين، ضاع المسلمون"... ليست هذه مجرد عبارة عابرة، بل هي نبضٌ للتاريخ، وصرخةٌ للواقع. لطالما كانت فلسطين، وعلى رأسها القدس الشريف، بمثابة البوصلة التي تشير إلى قوة الأمة الإسلامية وعزتها. تاريخ مديد يشهد أنه كلما كانت فلسطين تحت حكم المسلمين، كانوا أمة قوية، مهيبة الجانب، ذات تأثير عالمي. وعلى النقيض تمامًا، كانت خسارة فلسطين، أو حتى ضعف قبضتهم عليها، مؤشرًا لا يخطئ على وهن الأمة وتفرق كلمتها.
بالنظر إلى صفحات التاريخ، نجد أن فلسطين لم تُنتزع من أيدي المسلمين إلا في عصور ضعفهم وتنازعهم. وعندما استعادوا وحدتهم وقوتهم، عادت القدس وفلسطين إلى حضن الأمة. صلاح الدين الأيوبي، رمز العزة الإسلامية، لم يتمكن من تحرير القدس إلا بعد أن استجمعت الأمة قواها وتوحدت صفوفها. هذه ليست مجرد مصادفة تاريخية، بل هي سنة كونية تجلت في مسيرة هذه الأمة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند فتح القدس: "هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله".
والآن، ويا للأسف، تعيش الأمة الإسلامية واحدة من أسوأ حقب تاريخها. نشاهد بأعين دامعة كيف يُباد أبناء فلسطين يومًا بعد يوم، تُزهق أرواحهم البريئة، وتُدمر ديارهم، ونحن، كمسلمين، في حالة من الوهن لم نشهدها من قبل. نكتفي بمشاهدة الأخبار، وتقليب الصفحات، وربما ذرف بعض الدموع أمام شاشات التلفزيون. بل إن المفارقة المؤلمة تكمن في أن البعض منا قد يبلغ به التأثر والبكاء مبلغًا عظيمًا لخسارة فريقه المفضل في مباراة كرة قدم، بينما تمر عليه صور أشلاء الأطفال الفلسطينيين مرور الكرام، أو كخبر عابر لا يستحق أكثر من تنهيدة.
هذا التخاذل الجماعي، هذا الضعف المستشري في جسد الأمة، هو المؤشر الحقيقي على ضياعنا. لقد فقدنا البوصلة التي كانت توجهنا، وأصبحنا أمةً تتلقى الضربات الموجعة دون حول ولا قوة. إن صمتنا المطبق على ما يحدث في فلسطين ليس مجرد خذلان لإخواننا، بل هو خذلان لأنفسنا، وتفريط في تاريخنا ومقدساتنا.
إن قضية فلسطين ليست مجرد قضية إنسانية أو سياسية عابرة، بل هي قضية وجود للأمة الإسلامية. إن استعادة فلسطين، ليس بالمعنى الجغرافي فحسب، بل باستعادة قوتنا ووحدتنا وعزيمتنا، هو السبيل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم. إن الدموع وحدها لا تكفي، والغضب الصامت لا يجدي. المطلوب تحرك حقيقي، ووحدة صف، واستشعار للمسؤولية التاريخية تجاه هذه الأرض المباركة وأهلها الصابرين.
فلسطين ليست مجرد قطعة أرض، بل هي مرآة تعكس حال الأمة الإسلامية. فمتى سننظر في هذه المرآة بصدق ونرى حقيقة ضعفنا، ونتحرك لاستعادة قوتنا وعزتنا، لتستعيد فلسطين مكانتها كبوصلة لا تضل طريق المسلمين أبدًا؟