الخطوط الحمراء المصرية في السودان… بيان القاهرة وإعلان الحسم
في السياسة، لا تُصاغ البيانات عبثاً، ولا تُطلق المواقف دون حساب، البيان المصري الأخير بشأن السودان، والمتزامن مع زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، لم يكن مجرد رسالة دعم تقليدية، بل مثّل إعلاناً صريحاً عن الخطوط الحمراء المصرية وحدود ما يمكن القبول به في المشهد السوداني.
نحن أمام وثيقة سياسية تعيد تعريف الموقف المصري، وتنقل الخطاب من مرحلة التحفظ وضبط الإيقاع إلى مرحلة رسم الحدود وإشهار أدوات الردع.
الخط الأحمر الأول: تفكك الدولة السودانية
أولى الرسائل الحاسمة في البيان تمثلت في التأكيد على وحدة السودان ورفض أي مسارات تؤدي إلى التقسيم أو فرض كيانات موازية، القاهرة أعلنت بوضوح أن سيناريو “الأمر الواقع” مرفوض تماماً، وأن أي محاولة لإنتاج سلطة بديلة خارج إطار الدولة تُعد تجاوزاً مباشراً للخط الأحمر المصري.
الرسالة واضحة: لا اعتراف إلا بدولة سودانية واحدة، ولا شرعية إلا لمؤسساتها.
الخط الأحمر الثاني: شرعنة الفوضى المسلحة
الإشارة إلى اتفاقية الدفاع المشترك لم تكن تفصيلاً عابراً، بل تنبيهاً سياسياً وقانونياً بالغ الدلالة فحين تُستحضر هذه الاتفاقية، فهذا يعني أن القاهرة تعتبر خروج الميليشيات المسلحة عن إطار الدولة تهديداً لا يمكن التساهل معه.
مصر هنا تؤكد أن لديها الأساس القانوني الكامل للتدخل، إذا طُلب منها ذلك رسمياً، وأن أي تحرك محتمل سيكون مشروعاً ومسنوداً باتفاقات قائمة، وليس مغامرة أو تدخلاً عدائياً.
الخط الأحمر الثالث: المساس بالمدنيين
تسمية مدينة الفاشر تحديداً، ووصف ما يجري فيها بـ”المذابح”، يمثّل كسراً متعمداً لدائرة الصمت القاهرة تضع حماية المدنيين في قلب الخطوط الحمراء، وتبعث برسالة مفادها أن الانتهاكات الواسعة لم تعد قابلة للتجاهل أو الاحتواء السياسي.
بهذه اللغة، يتم التأسيس لأرضية أخلاقية لأي تحرك قادم، ويُغلق الباب أمام سياسة التغاضي.
الخط الأحمر الرابع: تهديد الأمن القومي المصري
أخطر ما ورد في البيان هو الربط المباشر بين أمن السودان والأمن القومي المصري هذا الربط يسحب الأزمة من خانة السياسة الخارجية إلى نطاق الأمن الوطني.
المعنى هنا لا يحتمل التأويل: أي فوضى ممتدة، أو سيطرة قوى غير منضبطة على الأرض السودانية، تُعد تهديداً مباشراً لمصر، وبالتالي تستوجب التعامل معها كملف سيادي من الدرجة الأولى.
الغطاء الدولي: تحرك داخل الشرعية لا خارجها
الاستناد إلى الرؤية الأمريكية بشأن منع تفكك الدول يعكس إدراكاً مصرياً لأهمية الغطاء الدولي القاهرة توضح أن خطوطها الحمراء ليست معزولة عن السياق الدولي، وأن أي تحرك محتمل سيتم ضمن مناخ سياسي يسمح بالحسم ويدعم فرض الاستقرار.
خلاصة المشهد
بيان القاهرة لم يكن رسالة دبلوماسية عادية، بل خريطة خطوط حمراء، وإنذار مبكر لكل من يراهن على إطالة الصراع أو فرض وقائع جديدة بالقوة.
مصر قالت ما يكفي ليُفهم أن مرحلة الصبر الاستراتيجي تقترب من نهايتها، وأن تجاوز هذه الخطوط لن يمر دون رد.
وما بين السطور، تبدو الرسالة أكثر وضوحاً أن .... ا
لعبث بالسودان لم يعد خياراً مسموحاً به.















