18:10 | 23 يوليو 2019

أحمد القيسي وإيوان يشعلان الساحة بـ"قولو ماشالله"… ورندلى قديح تضع توقيعها الإخراجي المختلف

10:51pm 11/12/25
عمر ماهر

في زمن تتزاحم فيه الأغنيات السريعة وتتنافس الأصوات على خلق ضجة رقمية أكثر من خلق تجربة فنية، يأتي الديو العراقي اللبناني «قولو ماشالله» ليكسر القاعدة ويعيد المتلقي إلى جوهر الفن نفسه، فهو ليس مجرد تعاون بين أحمد القيسي وإيوان، بل حالة موسيقية مختلفة تجمع بين روح العراق ونعومة لبنان، وتضع المشاهد أمام سينما موسيقية صغيرة تُدار باحتراف شديد من المخرجة رندلى قديح، وهو ما جعل العمل يتحول منذ لحظاته الأولى إلى مادة حديث في الوسط الفني والجمهور، لأن العمل يقدم نفسه كتجربة متكاملة، لا كأغنية منفردة.

 

حين يجتمع صوت عراقي متخم بالشجن والقوة مثل صوت أحمد القيسي مع صوت لبناني له حساسية فنية خاصة مثل إيوان، فإن النتيجة لا تكون مجرد مزج صوتين، بل خلق هوية فنية متوسطة بين ثقافتين موسيقيتين، وهذا ما نجح فيه «قولو ماشالله» بذكاء شديد، لأن الديو قدم لغة رومانسية واضحة لكن بنكهة مختلفة، فالعراقي قدّم الدفء الشرقي الصافي، بينما اللبناني أضاف الرشاقة التعبيرية التي ينفرد بها، مما جعل الأغنية تتحول إلى مساحة موسيقية مرنة تتسع لجمهور عربي كامل، وليس جمهور بلد واحد، وهذا في حد ذاته إنجاز فني يستحق التوقف عنده.

 

كتب عمار محمد كلمات الديو بروح شاعر يعرف كيف يصيغ حالة حب بلا مبالغة وبلا تكلف، فجاء النص قائمًا على مشاعر مباشرة جريئة في بساطتها، تعتمد على صور إنسانية لا تحاول أن تتفلسف بل تترك العاطفة تتكلم، فالجمل مثل «كون امشي اني ويا» و«مدينه بلا ناس بيها بس حبنا» تحمل معنى العزلة الجميلة بين حبيبين، كما تضع المستمع في دائرة شعورية تستحضر مدينة داخلية يصنعها العاشقان وحدهما، بينما يتدخل الآخرون فقط في صورة الحسد والخوف على الحب، وهو ما يعكس فهمًا إنسانيًا للعلاقة العاطفية الحديثة التي أصبحت أكثر هشاشة وأكثر تعرضًا للتدخلات الخارجية، ولذلك تبدو جملة «يلا قولو ماشالله» ليست مجرد عبارة بلاغية، بل صرخة دفاعية عن علاقة تريد أن تحمي نفسها من "عين العالم".

 

اختار أحمد القيسي أن يلحن الديو بنفسه، وهو قرار يكشف عن ثقة كبيرة في حسه الموسيقي، وعن إدراك واضح لطبيعة الأغنية التي يريد أن يقدمها، فجاء اللحن قائمًا على خط رومانسي معاصر يجمع بين الرقة والجرأة، ويستخدم مقامات حديثة لكن دون الابتعاد عن روح الشرق، بينما يظهر بوضوح أن القيسي حاول صياغة لحن يسمح لإيوان بأن يتحرك بحرية داخل المساحة الصوتية، وهذا ذكاء ملحوظ لأن معظم الديوهات تقع في فخ أن يطغى أحد الطرفين على الآخر، بينما هنا يبدو التناغم حاضرًا منذ اللحظة الأولى، وهو ما يعطي اللحن شكله المتوازن ويمنح الأغنية جاذبية متصاعدة لا تفقد قوتها مع التكرار.

 

التوزيع الذي نفذه إحسان صادقي يكشف عن فهم عميق للعلاقة بين الموسيقى الشرقية واحتياجات المستمع العصري الذي يبحث عن صوت نظيف، وإيقاع متجدد، وخطوط إلكترونية لا تبتلع الروح، ولذلك جاء التوزيع ليقدم الخلفية الإيقاعية دون مبالغة، ويتيح للجيتار الذي عزفه الموسيقي فارشيد أن يصبح ملمحًا بارزًا في شخصية الأغنية، فالأنغام التي يقدمها الجيتار لا تعمل كإضافة شكلية، بل كجسر يصل بين الحس العراقي والملمس اللبناني، مما يمنح الأغنية هالة من العصرية والانسيابية، ويجعلها قادرة على اختراق الأذن العربية بكل تنويعاتها.

 

ورغم بساطة النص، إلا أن الأغنية تحمل في جوهرها قراءة فلسفية دقيقة للضغط الاجتماعي الذي يواجه أي علاقة عاطفية اليوم، فالعمل يعيد طرح السؤال القديم: لماذا يبدو العالم متربصًا بالحب؟ ولماذا يخشى العشاق دائمًا من "العين" ومن نظرة الآخرين؟ هنا يصبح «قولو ماشالله» ليس جملة شعبية، بل محاولة لحماية الخصوصية في زمن مفتوح بالكامل على الشاشة، ولذلك يبدو الديو كحوار بين فردين وبين مجتمع كامل يراقبهما، مما يعطي الأغنية عمقًا غير مباشر ويجعلها تتجاوز إطار الرومانسية السطحية إلى إطار فلسفي يلامس الوعي الجمعي العربي.

 

أما على مستوى الصورة، فقد قدمت المخرجة رندلى قديح عملًا بصريًا يشبه في تكوينه فيلمًا قصيرًا أكثر منه فيديو كليب تقليدي، حيث اعتمدت على لوحات مشهدية حيوية من قلب بيروت، وحرصت على استخدام الألوان المبهجة والأجواء الراقصة التي تتناغم مع طاقة الأغنية، فجاءت الكادرات معبرة عن حركة الحياة وعن معنى الفرح الخفيف الذي تحمله الأغنية، بينما ظهر اهتمام واضح بالتصميم البصري من حيث أماكن التصوير والإضاءة والملابس، ما يعكس وعي رندلى بأن عين المشاهد اليوم أصبحت أكثر حساسية وتحتاج إلى صورة ذات جودة سينمائية لا مجرد لقطات عابرة، وهذا ما جعل الكليب يبدو وكأنه يرتدي ثوبًا من الجاذبية يصعب تجاهله.

 

يظهر في العمل دور المخرج الفني والستايلست علي قديح الذي استطاع تقديم الثنائي بإطلالات عصرية تناسب روح الأغنية، فظهر إيوان بشكل مختلف عن أعماله السابقة، بينما ظهر القيسي بإطلالة تجمع بين البساطة والحداثة، وهو ما يعكس فهمًا عميقًا للعلاقة بين الموسيقى والموضة، لأن الصورة اليوم لم تعد مجرد مرافقة للأغنية، بل أصبحت امتدادًا لها، وتعزز حضور النجم لدى الجمهور، وذلك ما نجح علي قديح في صياغته بشكل واضح ودقيق.

 

يأتي هذا الديو بعد نجاحات سابقة لكل من أحمد القيسي وإيوان، فإيوان ما زال يحصد صدى أغنيته «فوق فوق» والريمكس الخاص بها، بينما يحقق القيسي نجاحات متراكمة بأغنياته «منك رسالة» و«أسعد واحد» و«جمالك»، ولذلك يبدو «قولو ماشالله» كأنه الخطوة الطبيعية التالية التي تستثمر قوة كل نجم منهما، وتجعل الديو ليس مجرد مغامرة فنية، بل نقطة التقاء بين مسيرتين موسيقيتين تسيران نحو جمهور عربي واسع يبحث عن الاختلاف الحقيقي.

 

في النهاية، يمكن القول إن «قولو ماشالله» ليس مجرد ديو ناجح، بل عمل يقدّم نفسه كتجربة مكتملة العناصر، عمل يؤكد أن الأغنية العربية ما زالت قادرة على التجدد حين تتوفر لها العناصر الصحيحة: كلمة صادقة، لحن واعٍ، توزيع حديث، رؤية إخراجية قوية، وأداء صوتي يجمع بين الطاقات لا بين الفوارق، ولهذا السبب انطلق الديو منذ ساعاته الأولى محققًا تفاعلًا لافتًا وفتح الباب أمام نقاشات حول جمالية هذا التعاون، ومن المتوقع أن يظل العمل حاضرًا لفترة طويلة لأنه يحمل مزيجًا من العفوية والاحتراف لا يمكن مقاومته، ولأن الجمهور وجد فيه ما يفتقده كثيرًا: أغنية بسيطة… لكنها حقيقية.

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum