18:10 | 23 يوليو 2019

حين يتثقل الليل فوق روح تبحث عن نافذة

12:06am 17/11/25
نشأت البسيوني

في الليالي التي يطول فيها الصمت حتى يبدو كأنه جدار أسود يسد آخر منافذ التنفس تتثاقل الأرواح كما لو أنها تحمل تاريخا لم تختره وتجر خلفها أسئلة وذكريات لا تملك الجرأة على دفنها ولا القدرة على احتمال بقائها هناك ليال تنحني فيها النفس ليس لأن الحياة 

 

قاسية فحسب بل لأن خيبة واحدة قد تهدم ما شيدته سنوات من الصبر ولأن كلمة سمعتها في لحظة سهو تستطيع أن تهز جدارا كنت تحسبه من صخر ولأن البشر مهما ادعوا الصلابة يملكون نقطة خفية يتسرب إليها الألم فيفيض منها كل شيء

 

ليس موجعا أن تخسر شيئا تعرف أنه زائل لكن الوجع كل الوجع أن تخسر ما صدقت أنه الأبقى أن تنكسر في موضع كنت تظن أنك محمي فيه وأن تتخبط روحك بين ما تريد وما لا تستطيع وبين ما تتمنى أن يعود وما تخشى أن يحدث لو عاد أي ليل هذا الذي يجعل 

 

من الهدوء طعنا ومن السكون سؤالا لا يهدأ أي ليل هذا الذي يجعل قلبا واحدا يبدو كأنه يحمل العالم كله العالم بما فيه من أبواب مغلقة وخطوات ضائعة وأمنيات تخنقها الظروف قبل أن تنطق باسمها

 

في الأعماق حيث تسكن الحقيقة التي تخشاها ينام ذلك الحزن القديم الذي يتظاهر بالغياب لكنه يعود دائما في أكبر لحظات الضعف يعود كأنه يعرف الممرات التي لا يعرفها أحد سواه فيجلس أمامك كضيف ثقيل لا يمكنك طرده ولا تجاهله ويبدأ في فتح 

 

الصناديق التي ظننت أنك أحكمت إغلاقها كل شخص يحمل في داخله صندوقا كهذا صندوقا لا يراه الناس لكنه يتحرك إذا صمتت الدنيا حولك وإذا هدأت الأصوات وإذا توقفت خطواتك للحظة واحدة يكفي أن تتعب يكفي أن تجلس وحيدا كي يخرج إليك كل ما حاولت النجاة منه

 

ربما أصعب ما يحدث للإنسان ليس الفقدان ذاته بل ذلك الفراغ الذي يخلفه الفقدان الفراغ الذي يتسع يوما بعد يوم حتى يصبح كهاوية لا قرار لها هذا الفراغ هو الذي يجعلك تلمس صدرك في منتصف الليل ظنا منك أن شيئا سقط منك وهو الذي يجعلك تلتفت 

 

فجأة تبحث عن صوت تعرف أنه لن يعود وهو الذي يجعلك تكتب رسائل لا تجرؤ على إرسالها وتعيد قراءة كلمات لم تعد تخصك الإنسان لا يهزم حين يبكي بل حين يتعلم كيف يخفي بكاءه وكيف يعود ليبتسم بنفس الوجه الذي تهشم منذ زمن

 

كلما حاولت أن تشرح حجم ما يوجعك تجد الكلمات تخونك ليس لأنها قليلة بل لأن الألم أوسع من اللغة وأعمق من الحروف الحزن الحقيقي لا يحتاج إلى شرح يغرس نفسه فيك كما تغرس الشوكة في اللحم يبقى هناك لا يراه أحد لكنه موجود يذكرك به كل شيء أغنية قديمة لحظة سهو طريق مررت فيه يوما أو ظل إنسان رحل هناك أوجاع لا تندمل بل تتعايش معها كأنها أصبحت ضلعا من 

 

أضلاعك قد تعتادها نعم لكنها لا ترحل

وحين يحاول المرء أن ينهض من تحت هذا الركام يجد أن العالم لا يتوقف لأجل حزنه وأن الحياة لا تمنح فرصة إعادة البناء إلا لمن يقبل أن يسير وهو منقوص مكسور متعب لا تنتظر الحياة حتى تلتقط أنفاسك ولا تتريث كي تفهم دواخلك ولا تهتم إن كنت قادرا 

 

على المواصلة أو لا وحدك من يعرف معنى أن تستيقظ وأنت تشعر أن روحك أقدم من عمرك وأن خطواتك أثقل من أحلامك وأنك تمشي لأنك لو توقفت ستغرق ولو صرخت لن يسمعك أحد

أحيانا ما يجعل الألم مضاعفا هو تلك القدرة الهائلة على التظاهر بالقوة تضحك بينما عينك متعبة وتمد يدك للآخرين بينما يداك ترتجفان وتقول أنا بخير بينما آخر ما فيك هو الخير تتقن الكذب 

 

على العالم كي لا تشرح ما لا يشرح وكي لا تثقل على أحد بما يثقل عليك أنت لا تخشى أن تظهر ضعفك بل تخشى أن يمر به الآخرون مرورا عابرا أن يروه شيئا عاديا بينما هو بالنسبة لك جبل من الوجع

وللحزن وجه آخر وجه لا يلمسه إلا من جربه ذلك الشعور الغريب بأنك رغم كل الخسارات ما زلت تحمل في داخلك شيئا يشبه الأمل 

 

لا تريد الاعتراف به لكنه هناك كوميض صغير في آخر النفق ربما هذا الوميض هو الذي يمنعك من الانطفاء الكامل وربما هو الذي يجعل خطواتك ولو بطيئة تستمر وربما هو نفسه الذي يجعل الليل أحيانا أقل ظلمة مما يبدو فالحزن مهما طال لا يستطيع أن يطفئ كل شيء دائما هناك جذوة صغيرة تبقى حية ولو خافتة ولو كانت بالكاد تضيء حرفا واحدا في صفحة روحك

 

وفي النهاية لا يبحث الإنسان عن سعادة مطلقة ولا عن فرح لا تشوبه ندبة ما يبحث عنه حقا هو لحظة صدق واحدة يد تمسك به حين يتعب كلمة لا تطفئه قلب يشعر به قبل أن يتكلم ونافذة 

 

صغيرة في آخر الليل نافذة لا تعده بالكثير لكنها تخبره أن الفجر ليس خرافة وأن هذا الثقل الذي فوق روحه سيخف يوما وأن الحياة رغم قسوتها ما زالت قادرة على أن تمنح أسبابا تجعلنا نواصل ح

تى لو امتلأت أرواحنا بظلال الشتاء

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum