18:10 | 23 يوليو 2019

حين يبكي الصمت فينا

10:01pm 06/11/25
نشأت البسيوني

ليس كل البكاء دموعا فهناك بكاء لا يرى لكنه يسمع داخل القلب كارتجاج خافت يوقظ فينا كل الخيبات القديمة

 

حين يبكي الصمت فينا لا نحتاج أحدا ليسألنا ما بنا لأننا أنفسنا لم نعد نعرف الجواب

نكتفي بالنظر الطويل إلى الأشياء إلى المارين إلى وجوه كانت تضحك لنا يوما ثم عبرت دون التفات

نبكي من الداخل لا لأننا ضعفاء بل لأننا حفظنا الصبر عن ظهر وجع وارتدينا الصمت درعا كي لا ننكشف أمام العالم

ذلك الصمت الذي يختنق بين الضلوع لا يسمع لكنه يحرق القلب كجمر بارد لا ينطفئ

 

حين يبكي الصمت فينا تصبح العيون جامدة كأنها فقدت وظيفتها في الحزن

نضحك في الوجوه نشارك الأحاديث نحيا كما لو أننا بخير لكن في أعماقنا زحام من الأسئلة التي لا تجد طريقا إلى الكلام

تتراكم المشاعر في الداخل حتى تضيق بنا المساحة فنصمت لا عن رضا بل عن عجز تام عن التعبير

الصمت هنا ليس هدوءا بل ثورة ميتة وانفجارا لا يملك صوتا

 

نحاول أن ننسي أنفسنا نغرق في تفاصيل لا تشبهنا نبحث عن وجوه جديدة نخبئ خلفها الوجع القديم لكن الذاكرة خائنة تعود إلينا في لحظة في رائحة في أغنية عابرة

فنجد أنفسنا أمام الوجع ذاته بنفس الحدة كأننا لم نتجاوز شيئا

وكلما حاولنا الحديث عنه اختنقنا أكثر كأن الحروف ترفض الخروج كأنها تقول اصمت فالقول لن يغير شيئا

 

حين يبكي الصمت فينا لا يلاحظ أحد ذلك

يظنون أننا أقوياء لأننا لا نتكلم بينما في الحقيقة نحن فقط خائفون من أن يخذلنا البوح مرة أخرى

فالكلمات خانتنا كثيرا وعدتنا بالراحة ولم تأت لذلك صرنا ندفن أحاديثنا في صدورنا ونبتسم كي لا يلمح أحد جنازات مشاعرنا

 

نقف أمام المرايا طويلا لا لنتأمل ملامحنا بل لنرى من تبقى فينا بعد كل هذا الصمت

هل ما زلنا نحن أم أننا صرنا ظلا لإنسان كان يوما مليئا بالحياة

نلمس وجوهنا كأننا نحاول أن نتأكد أننا ما زلنا هنا رغم أننا غادرنا أنفسنا منذ زمن

نغلق أعيننا فنسمع أنينا خافتا لا يأتي من الخارج بل من قلب تعب من الصبر

 

حين يبكي الصمت فينا نفهم أن لا أحد يسمع من لا يتكلم وأن العالم لا يلتفت إلا لمن يصرخ

لكننا لم نعد نملك الصوت لأننا منحناه للخذلان للانتظار للوجوه التي رحلت وتركتنا نحمل بقايا الحديث وحدنا

فنختار أن نصمت لا كاستسلام بل كنوع من الكرامة الأخيرة كوقار نرتديه حين يهزم القلب

 

ويأتي الليل يخلع عنا كل الأقنعة فيبكي الصمت بحرية

تتسلل الذكريات كضوء خافت من نافذة مغلقة نسمع أسماء وضحكات ووعودا ماتت قبل أوانها

ثم نغفو على وجع ناعم يشبه الحنين حنينا لما كنا عليه قبل أن نتعلم كيف نخفي بكاءنا داخلنا

 

وحين نصحو نرتب وجعنا بهدوء نغسل وجوهنا من أثر الدموع التي لم تخرج ونمضي كما لو أننا لم ننكسر ليلة البارحة

نواصل الدوران وسط الزحام نحمل في صدورنا ضجيجا لا يسمعه أحد ونتظاهر أن الصمت سلام بينما هو العاصفة ذاتها لكنها في الداخل

 

حين يبكي الصمت فينا ندرك أن بعض الوجع لا يحتاج تفسيرا ولا علاجا فقط يترك وشأنه حتى يهدأ

ندرك أن القوة ليست في الصبر بل في النجاة من أنفسنا كل مرة دون أن نفقد إنسانيتنا

ونعلم أن هذا البكاء الخفي رغم قسوته هو ما يبقي القلب حيا لأن الذي يبكي حتى بصمته لا يزال يشعر لا يزال على قيد الحياة

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum