انتشار السناتر في البلينا.. أزمة تعليم وسياسة غائبة

ما يجري في مركز البلينا من انتشار عشوائي لسناتر الدروس الخصوصية لم يعد مجرد مشكلة تربوية أو اجتماعية بل تحول إلى قضية سياسية بامتياز تكشف حجم الفجوة بين المواطن والدولة في ملف التعليم الذي يفترض أنه أولوية وطنية لا تحتمل المساومة ولا التلاعب
اليوم نشهد انفجارا غير مسبوق في أعداد السناتر حيث يفتح كل يوم مركز جديد بلا تراخيص واضحة ولا رقابة حقيقية وفي قلب هذه الفوضى يظهر أشخاص بلا تخصص تربوي أو خبرة تعليمية يقدمون أنفسهم كمعلمين بينما الأسر تستنزف ماليا وتترك لتتخبط بين خيارات عشوائية بحثا عن من يستحق أن يتولى تعليم أبنائهم النتيجة تعليم ضعيف موارد مهدرة وضياع ثقة في المنظومة الرسمية
سياسيا تكشف هذه الظاهرة عن قصور واضح في الدور الرقابي والتنظيمي للدولة فالسناتر لم تكن لتنتشر بهذا الشكل لولا غياب المتابعة وضعف القوانين أو عدم تفعيلها والأخطر أن الظاهرة تطرح سؤالا عن مصير التعليم المدرسي الذي تراجع دوره أمام سطوة السوق السوداء للتعليم حيث تحول حق التعلم من خدمة عامة تضمنها الدولة إلى سلعة تباع وتشترى تحت ضغط الحاجة
الأبعاد الاقتصادية للأزمة لا تقل خطورة فالأسر في البلينا وغيرها تنفق أموالا طائلة تفوق قدراتها ما يفاقم أزمات المعيشة ويعمق الفوارق الطبقية بين من يستطيع دفع ثمن الدروس ومن يترك أبناؤه لمصيرهم هذا الاستنزاف المالي المستمر يعكس غياب رؤية شاملة لمعالجة الجذر الحقيقي وهو إصلاح التعليم الرسمي وتطوير قدرات المعلمين داخل المدارس بدل ترك الساحة للسناتر
التعليم ليس تجارة التعليم مشروع وطني وسياسي يمس الأمن القومي والقدرة على صناعة المستقبل استمرار الفوضى في سناتر البلينا وغيرها يعني ترك المجتمع في مواجهة خطر تجهيل منظم يهدد الوعي العام ويفقد الدولة أحد أهم أدوات قوتها الناعمة
المطلوب الآن تدخل حقيقي من صانعي القرار ليس فقط بقرارات إغلاق أو ملاحقات شكلية بل بإستراتيجية إصلاح تربط بين المدرسة والدولة والمجتمع وتضع حدا لهيمنة السوق السوداء على عقول أبنائنا لأن قضية التعليم ليست خيارا سياسيا ثانويا بل هي معركة بقاء أمة بأكملها .