من الفراق إلى الفناء :الانهيار الصامت للأسرة المصرية بين الطلاق والقتل الزوجي

تتجه المؤشرات الاجتماعية في مصر خلال السنوات الأخيرة نحو تصاعد خطير في ظاهرتين متوازيتين هما الطلاق والقتل الزوجي وقد بات الربط بينهما ضرورة لفهم حجم الأزمة التي تعيشها الأسرة المصرية إذ لم يعد الأمر يقتصر على الانفصال القانوني بين الأزواج كظاهرة اجتماعية آخذة في التنامي بل تجاوز ذلك إلى جرائم قتل تهز الوجدان العام وتعكس انهيارًا عميقًا في البنية الأسرية
تشير الإحصاءات الأخيرة إلى تسجيل مئات الآلاف من حالات الطلاق سنويًا مقابل ما يقرب من مليون عقد زواج وهي أرقام تكشف أن مؤسسة الزواج لم تعد قادرة على الصمود في وجه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة وفي الوقت ذاته تسجل منظمات المجتمع المدني مئات الحالات من قتل النساء نتيجة خلافات أسرية أو ما يعرف بجرائم النوع الاجتماعي وهو ما يعكس صعودًا مقلقًا في العنف الأسري الذي لم يعد يستوعبه نطاق الخلافات المعتادة بل تجاوز إلى حد إزهاق الأرواح
وهذا التوازي بين الطلاق والقتل ليس محض صدفة بل هو نتاج مشترك لجملة من العوامل البنيوية التي تضغط على الأسرة المصرية في مقدمتها الأزمات الاقتصادية التي تضع الأزواج تحت وطأة احتياجات يومية تفوق طاقتهم وتجعل البيت ساحة مشحونة بالصراع والتوتر يليها التحولات الثقافية التي أعادت تشكيل توقعات كل طرف من الآخر وأضعفت سلطة التقاليد الأسرية التي كانت تشكل إطارًا مرجعيًا للضبط والتسوية بالإضافة إلى التداعيات النفسية الناتجة عن هذه الأوضاع التي تدفع البعض إلى اتخاذ قرارات قصوى سواء بالانفصال أو بالعنف المميت.
و الطلاق في جوهره يمثل فشلًا في تحقيق التوافق داخل مؤسسة الزواج بينما يمثل القتل الزوجي ذروة هذا الفشل إذ يتحول النزاع من خلافات قابلة للإصلاح إلى صراع يطيح بالحياة نفسها وبذلك يصبح من المشروع النظر إلى الظاهرتين بوصفهما حلقتين في سلسلة واحدة عنوانها انهيار الأسرة المصرية وهو انهيار صامت من حيث أنه يتغلغل ببطء في نسيج المجتمع لكنه مدوٍ في نتائجه لأنه يهدد استقرار البنية الاجتماعية بأسرها.
كمان أن خطورة المشهد تكمن في أن هذا الانهيار يفرز أجيالًا جديدة أكثر هشاشة نفسيًا واجتماعيًا إذ يتعرض الأطفال إما لصدمة الانفصال وما يترتب عليه من فقدان الأمن الأسري أو لصدمة فقدان أحد الوالدين بفعل جرائم قتل أسرية وفي الحالتين يترسخ نمط من عدم الاستقرار قد يعيد إنتاج الأزمة عبر أجيال متعاقبة وهو ما يعني أن القضية ليست مجرد حوادث فردية بل هي أزمة مجتمعية ممتدة.
ولمواجهة هذه الظاهرة المركبة لا بد من اعتماد مقاربة شمولية تعترف بالصلة الوثيقة بين الطلاق والقتل الزوجي وتسعى لمعالجة جذورهما المشتركة وذلك عبر سياسات اقتصادية تقلل من الضغوط المعيشية وبرامج توعية تروج لثقافة الحوار والمساواة وتشريعات أكثر فاعلية في حماية ضحايا العنف الأسري إلى جانب دعم نفسي واجتماعي يقي الأزواج من الانزلاق إلى خيارات الفراق أو الفناء على حد سواء إن إنقاذ الأسرة المصرية من هذا المصير يتطلب إرادة جماعية ترى في استقرارها ليس مجرد شأن خاص بل أساسًا لأمن المجتمع وتماسكه