شخصية وعلامه مع نور سلامه نجيب محفوظ: قامة الأدب العربي وضمير أمته الخميس 24 أبريل

فريدة، أثرت وجدان أجيال، ورفعت اسم الأدب العربي عاليًا في المحافل الدولية: إنه الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ. لم يكن محفوظ مجرد روائي، بل كان مؤرخًا اجتماعيًا، وفيلسوفًا إنسانيًا، وضميرًا يقظًا لأمته، تجلت رؤيته الثاقبة في عشرات الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات التي ترجمت إلى معظم لغات العالم، ليصبح أول عربي يحصد جائزة نوبل في الأدب عام 1988.
ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا في حي الجمالية بالقاهرة القديمة في 11 ديسمبر عام 1911، ونشأ في بيئة مصرية أصيلة شكلت وعيه المبكر. شهدت طفولته أحداثًا مفصلية في تاريخ مصر الحديث، كثورة 1919، التي تركت بصمات عميقة في نفسه وأعماله. تخرج من قسم الفلسفة بجامعة القاهرة عام 1934، وعمل موظفًا في الجامعة ثم في وزارة الأوقاف، قبل أن ينتقل للعمل في وزارة الإرشاد القومي (وزارة الثقافة والإعلام لاحقًا) ثم مؤسسة دعم السينما.
بدأ محفوظ مسيرته الأدبية في ثلاثينيات القرن الماضي، متأثرًا بالواقعية الاجتماعية، وسرعان ما تميز بأسلوبه السلس العميق، وقدرته الفائقة على رسم الشخصيات الإنسانية بكل تعقيداتها وتناقضاتها. يمكن تقسيم مراحل إنتاجه الأدبي إلى ثلاث رئيسية:
* المرحلة التاريخية: تجلت في رواياته الأولى مثل "عبث الأقدار" و"رادوبيس" و"كفاح طيبة"، حيث استلهم التاريخ المصري القديم لتقديم إسقاطات على الواقع المعاصر.
* المرحلة الواقعية الاجتماعية: وهي المرحلة الأكثر شهرة وتأثيرًا، حيث قدم ثلاثيته الشهيرة "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية"، التي رسمت بانوراما حية للحياة الاجتماعية والسياسية في القاهرة خلال النصف الأول من القرن العشرين، من خلال تتبع مصائر عائلة مصرية عبر الأجيال. كما كتب في هذه المرحلة روائع أخرى مثل "زقاق المدق" و"بداية ونهاية" و"اللص والكلاب".
* المرحلة الرمزية التجريبية: اتسمت هذه المرحلة بالبحث عن أشكال تعبيرية جديدة، واستخدام الرمز والتجريد لطرح قضايا فلسفية ووجودية وإنسانية أعمق، كما في رواياته "أولاد حارتنا" (التي أثارت جدلاً واسعًا) و"ميرامار" و"الحرافيش" و"رحلة ابن فطومة".
لم يقتصر إبداع نجيب محفوظ على الرواية، بل كتب أيضًا مجموعات قصصية بديعة مثل "همس الجنون" و"دنيا الله"، بالإضافة إلى عدد من المسرحيات والسيناريوهات السينمائية الناجحة التي تحولت إلى أفلام خالدة في تاريخ السينما المصرية.
تميزت كتابات نجيب محفوظ بالعمق الفكري، والقدرة على الغوص في النفس البشرية، وتصوير الصراع بين التقاليد والحداثة، وبين الفرد والمجتمع، وبين الخير والشر. كان يرى الأدب أداة للتغيير والارتقاء بالمجتمع، ومنبرًا للتعبير عن آمال وآلام البسطاء.
رحل نجيب محفوظ عن عالمنا في 30 أغسطس عام 2006، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا ضخمًا سيظل نبراسًا للأجيال القادمة. سيبقى اسمه محفورًا بأحرف من نور في سجل الأدب العالمي، وسيظل صوته الحكيم يتردد في أروقة الفكر والثقافة، شاهدًا على عظمة الإبداع الإنساني وقوة الكلمة الصادقة.