"في زمن السباق نحو الترند... أين ذهب شرف الكلمة؟"

في زمنٍ ليس ببعيد، كانت الكلمة تُوزن بماء الذهب، وكانت الجرائد الورقية مناراتٍ للعقل، تُضيء عقول القرّاء بأقلامِ العظماء: من سياسيين مُحنّكين، واقتصاديين مخضرمين، واجتماعيين نابهين، وفنيين ودينيين يحملون فكرًا لا فوضى. أمّا اليوم، فقد أصبحنا في عصرٍ انقلبت فيه الموازين، وأصبح من هبّ ودبّ يُنصّب نفسه إعلاميًا، ويؤسس موقعًا إلكترونيًا، ويزعم امتلاك الحقيقة.
أين نحن من زمن كانت فيه الصحافة رسالة؟
لقد تحولت الصحافة من مهنة شريفة تسعى لخدمة المجتمع، إلى سباقٍ محمومٍ نحو "الترند"، حيث لا وعي ولا ضمير، ولا احترام لعقول الناس. الكل يركض، الكل يلهث خلف الأرقام والمشاهدات، ولو على حساب الكرامة والعدالة والحرية وخصوصية الآخرين.
تُكتب الأخبار اليوم بلا تحقق، وتُقتطع الكلمات من سياقها، ويُفبرك العنوان ليتناقض مع المحتوى، لأن الهدف ليس إيصال الحقيقة، بل إثارة الفتن وزرع الفوضى، وجني الأرباح على حساب الوعي الجمعي.
هل هكذا تُبنى الأوطان؟
إن الوطن لا يُبنى بالكذب، ولا بالتهويل، ولا بتحويل الصحافة إلى سوق نخاسة تُباع فيه القيم مقابل حفنة لايكات ومشاهدات. بل يُبنى بالعطاء، والتضحية، وبأقلام حرة شريفة تُنير العقول لا تُضللها، تُعلي من شأن الإنسان لا تهدمه.
نقول لكل من امتهن الإعلام بلا علم، ولكل من تسلق على أكتاف الحقيقة: استقيموا يرحمكم الله. فحرية الكلمة مسؤولية، ومن يكتب دون وعيٍ أو ضمير إنما يطعن الوطن في خاصرته.
ختامًا
دعونا نسترجع هيبة الكلمة، ونُعيد للصحافة أخلاقها، وللإعلام رسالته، وللوطن حقه علينا. فليس كل ما يُقال يُكتب، وليس كل من كتب يُصدّق. الكلمة أمانة، فإما أن تكون لبنة في بناء هذا الوطن، أو خنجرًا في خاصرته.