الإحتباس الحرارى وتغيير المناخ ... تحديات وحلول بقلم : - منى صدقى مازن
يواجه العالم منذ سنوات تقلبات مناخية عديدة نتيجة لظاهرة "الاحتباس الحرارى" التى تعانى منها الكرة الأرضية إثر مخلفات الثورة الصناعية والتى زادت من انبعاثات الغازات الضارة في الغلاف الجوى ،والملاحظ أن تداعيات تلك الأزمة في تزايد مستمر ما أصبح يهدد استدامة الثروات الطبيعية خاصة غير المتجددة منها وكذلك الكائنات الحية على سطح الأرض وانتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عنها .
كل ذلك دعا لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة تصدر تقريراً يوم 9 من أغسطس 2021 تؤكد فيه أن مستويات غازات الاحتباس الحرارى في الغلاف الجوى باتت مرتفعة للحد الذى يؤدى اضطراب المناخ لعقود طويلة بل ربما لقرون عديدة.
ونظراً لكون قارة إفريقيا ومصر خاصة من أكثر القارات عرضة لتداعيات أزمة الاحتباس الحرارى لخصوصية موقعها الجغرافى نتيجة لوقوع أراضيها مساحات صحراوية وشبه جافة فهى أكثر عرضة للتأثر السلبى بتلك الأزمة
وفى هذا الصدد نشرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية في أغسطس 2021 تقريراً يفيد بأن صيف 2021 شهد ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة منذ ما يزيد عن خمس سنوات ماضية ،الأمر الذى دعا القيادة السياسية المصرية تتخذ العديد المزيد من الإجراءات والسياسات للتعامل الجاد مع التغييرات المناخية المستجدة .
ولعل أكثر القطاعات المصرية تأثراً بأزمة التغييرات المناخية هما قطاعى الزراعة والسياحة فقدرة تلك القطاعات على تجاوز تلك الأزمة ضعيفة خاصة بالنسبة للمجتمعات الريفية لضعف البنية التحتية القادرة على التكييف مع تلك التقلبات .
ويمكن حصر أبرز انعكاسات أزمة التغييرات المناخية على قطاع الزراعة المصرى في عدة نقاط أهمهما :
ندرة الموارد الطبيعية المغذية للنشاط الزراعى والتى جعلت مصر تعانى من سوء توزيع جغرافى للسكان وتكدسه في منطقتى الوادى والدلتا ما نتج عنه نقص مساحة الأراضى المزروعة بسبب الزحف العمرانى وتضرر مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية .
النقطة الثانية تتمثل في حجم وجودة الإنتاجية الزراعية حيث أنه من المعلوم أن المناطق الساحلية دائماً ما تكون عرضة لمؤثرات تغيرات المناخ ما ينعكس سلباً على حجم الإنتاجية الزارعية هذا إلى جانب تأثر حجم الإنتاجية الزراعية بمعدلات درجات الحرارة ما أثر عل انتاجية محاصيل موسم الصيف وتراجع انتاجية محاصيل الفاكهة بنسبة تقترب من 50% وتعريض الفلاحيين لخسائر فادحة وتعرض المستهلكين لموجة من غلاء الأسعار .
فضلاً عن ذلك هناك بعض المحاصيل التى لا تواجه أزمة في الكمية الانتاجية بقدر ما تواجهه في الجودة بسبب التقلبات المناخية التى تسببت في تلف التربة الزراعية وانتشار الآفات الزراعية خلال عمليات التخزين والنقل .
وفى نفس السياق يواجه قطاع السياحة العديد من التأثيرات السلبية نتيجة لما تعرضت له الموارد والثروات الطبيعية على طول سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط التى تمثل دوراً محورياً في هذا القطاع .
ومن المتوقع أن تؤثر التغييرات المناخية على قطاع السياحة بشدة وتجدر الإشارة هنا أن مصر تحتل الأولى من حيث الدول الأعلى في قوائم السياحة القائمة القائمة على الشعب المرجانية خاصة منطقة شمال البحر الأحمر التى تعتبر بيئة آمنئة لهذا النوع من السياحة إلا انه نظراً للتقلبات المناخية التى يشهدها العالم أصبحت مصر من الدول المعرضة لفقدان نسبة كبيرة من تلك الشعب المرجانية ما يعنى تعرض السياحة لخسائر فادحة .
كل ذلك دعا القيادة السياسة بمصر لاتخاذ العديد من الاجراءات والسياسات لمواجهة تحدى التغييرات المناخية والتكيف مع تلك التأثيرات أبرزها كان إنشاء المجلس الوطنى للتغييرات المناخية كجهة وطنية رئيسية معنية بقضية الغييرات المناخية وتعمل على رسم وصياغة وتحديث الاستراتيجيات والسياسات والخطط العامة للدولة ،ومؤخراً تم إعادة هيكلة المجلس ليصبح تحت راسة مجلس الوزراء فضلاً عن هيكلة الهيكل التنظيمى لوزارة البيئة وانشاء قسم جديد للبحث والتطوير في مجال البيئة والتغييرات المناخية .
وعلى مستوى السياسات جاءت الاستراتيجية الوطنية جاءت الاستراتيجية الوطنية للتغييرات المناخية 2050 كواحدة من أهم قرارات المجلس الوطنى للتغييرات المناخية من خلال رسم خارطة الطريق لأكثر سياسات وبرامج الكفاءة في التكيف مع تداعيات تلك الأزمة .
كما كان هناك دوراً بارزاً لمؤسسات التمويل الدولية في دعم مصر في مواجهة تلك التغييرات المناخية ، فقد بحث مسؤولون بوزارتي التعاون الدولية والبيئة مع ممثليين عن البنك الدولى سبل وآلات التغلب على مشكلة الاحتباس الحرارى والتغييرات المناخية المصاحبة لها ، وطرحت وزارة التعاون الدولى مشروعات تقدر بنحو 360 مليون دولار في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والمعنى بمسألة تغيير المناخ .
كما تبنت مصر سياسة الاقتصاد الأخضر ما جعل البعد البيئى ضمن شروط تمويل المشروعات الحديثة بحيث لا يتم تمويل مشروع يزيد من حدة ومخاطر التغييرات المناخية وترسيخ مفهوم الشركات الخضراء .
علاوة على ذلك قامت الحكومة المصرية بطرح أول سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لتمويل المشروعات الصديقة للبيئة في ستمبر 2020 وأهمها مشروعات الطاقة الشمسية والرياح والغاز الطبيعى .
ختاماً يمكن القول إن الدولة المصرية تبذل جهوداً ضخمة سواء على المستوى المؤسسى أو السياسى لمواجهة التحديات المربطة بتداعيات التغيير المناخى ، لكن تظل هناك حاجة لعدد من الإجراءات المكملة خاصة على مستوى البحث العلمى وتنمية الوعى المجتمعى وتفعيل دور المجتمع المدنى كشريك ضرورى في مواجهة هذه التداعيات .