ابن الجوزي... الإمام الذي وعظ القلوب قبل العقول الجمعه 25 أبريل

في بغداد القرن السادس الهجري، حيث كانت الحضارة الإسلامية في أوجها، وُلد رجلٌ غيّر وجه الوعظ والتأليف، وأسّس مدرسة فكرية امتدت آثارها إلى يومنا هذا. إنه أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، أحد أبرز علماء الحنابلة في التاريخ الإسلامي، وصاحب التأثير العميق في مجالات التفسير، والحديث، والتاريخ، والوعظ.
ميلاده ونشأته
ولد ابن الجوزي في 25 رمضان سنة 510 هـ / الموافق تقريبًا 1126 م في مدينة بغداد، لأسرة ميسورة، لكنه تيتم في طفولته. تولّت تربيته عمته، وأدخلته حلقات العلم مبكرًا، حيث بزغ نبوغه سريعًا، فحفظ القرآن الكريم، وبرع في اللغة، والنحو، والفقه، والحديث، حتى صار في مطلع شبابه من كبار علماء عصره.
العالِم الموسوعي
ما ميّز ابن الجوزي هو موسوعيته. ألّف في مختلف العلوم الإسلامية، حتى تجاوزت مؤلفاته 400 كتاب، أبرزها:
صفوة الصفوة
تلبيس إبليس
صيد الخاطر
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم
جمع بين قوة الحجة، وبلاغة التعبير، والقدرة على التأثير. وكان واعظًا حاضرًا في قلوب العامة والخاصة، حيث كان يحضر مجالسه آلاف من الناس، منهم الخلفاء والوزراء والعامة.
الواعظ الإصلاحي
لم يكن ابن الجوزي مجرد خطيب، بل مُصلحًا اجتماعيًا، دعا إلى تجديد الخطاب الديني، ونقد الغلو والتشدد، محذرًا من التساهل باسم الزهد أو المبالغة باسم الورع. عُرف بجرأته في قول الحق، وإنصافه في الحكم على الفرق والتيارات الفكرية، حيث دعا دائمًا إلى الاعتدال والرحمة في الدعوة.
ابتلاء ثم انتصار
تعرض في أواخر حياته لمحاولة إقصاء سياسي، فنُفي لفترة قصيرة، لكنه عاد بعدها لمكانته الرفيعة، وواصل التدريس والكتابة والوعظ حتى وفاته في 12 رمضان 597 هـ / 1201 م. دُفن في مقبرة باب حرب ببغداد، وقد ودّعه الآلاف من تلاميذه ومحبّيه.
ماذا نتعلم من ابن الجوزي اليوم؟
في زمن تتسارع فيه الفتن وتتزاحم فيه الأصوات، تبرز قيمة فكر ابن الجوزي كمنارة للتوازن والوعي. لقد علّمنا أن العلم لا يكتمل إلا بالإخلاص، وأن الموعظة ليست كلمات تُقال، بل مسؤولية تهذّب القلوب وتُحيي الضمائر.
دعواته إلى الاجتهاد، ورفضه للجمود، ونقده للتطرف، تجعل من فكره مرجعية حيّة لكل من يسعى إلى الإصلاح الحقيقي. إنه إمام علّمنا أن الإصلاح يبدأ من النفس، ويثمر في المجتمع.
اقتباس خالد من كلماته
> "رأيتُ الناس قد تساووا في أنهم بشر، وافترقوا في أن الفضل لمن عقل."
– من كتاب صيد الخاطر