ماذا تعرف عن مسجد «المؤيد شيخ» فخر مساجد عصر المماليك الجراكسة
يُعد حي الدرب الأحمرِ من أقدم المناطق الأثرية وسط القاهرة، إذ يضم 65 أثراً شاهقاً ومَعلماً إسلامياً بارزاً، كالجامع الأزهر وغيره من المعالم الهامة، التي تشكل أرشيفاً فريداً للحضارة المصرية العريقة، ومكانتها في التاريخ الإسلامي.
ويأتي مسجد السلطان المؤيد شيخ في السكرية أحد أحيائها العريقة واحداً من أهم مآثرها النادرة، وأشهر معالمها الباهرة، وأجمل مفاخرها الساحرة، إذ يصنف بأنه فخر مساجد عصر المماليك الجراكسة.
بدأ بناء المسجد سنة 818هـ بأمر من السلطان المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبدالله المحمودي الظاهري أحد حكام الدولة المملوكية خلال عصر المماليك الجراكسة.
وأما قصة بناء المسجد فقد كان موقعه قديماً سجناً يُعرف باسم (خزانة شمائل)، سُجن فيه المؤيد شيخ مدة من الزمن وقت أن كان أميراً، وعانى فيه من شدائد عدة، فنذر إلى الله إن نجا من محنته وخرج من السجن أن يبني مكانه مسجداً، فلما وَلِيَ مُلك مصر وفَّي بنذره وشرع في بناء المسجد، فاشترى قِيْسَارِيَّةَ الأمير سُنْقُر الأشقر وهي سوق كبيرة، وعدةَ دُوْرٍ وحاراتٍ مجاورةٍ للسجن، وهدمها جميعها لتكون ضمن المسجد.
كان السلطان المؤيد يتابع البناء بنفسه، وقام بتعيين مدرسين للمسجد لتدريس المذاهب الأربعة والحديث والقراءات والطب، فعل ذلك بينما كانت عمارة المسجد لا تزال مستمرة.
بني المسجد بشكل جمالي مَهِيْب، فله أربع إيواناتٍ فَخمة، وهي الواجهات التي تحيط بصحنه المكشوف، حُلِّيَت بزخارف ونقوشات وكتابات إسلامية، وواجهتها الشرقية الرئيسية لا تزال محتفظة بتفاصيلها الأثرية القديمة، وهي وجهة كبيرة قوية حُلِّيَت أعتاب شبابيكها بالرخام، ويقع المدخل العمومي للمسجد في الطرف البحري منها، وهو مدخل شاهق له سلم مزدوج من الرخام.
وبالمدخل باب نحاسي كبير عملاق كُوّن من مصراعين من الخشب المغشى بالنحاس، نقل إليه من مدرسة السلطان حسن، وهو من أكبر وأنفس الأبواب الأثرية، يبلغ إرتفاعه 6 أمتار.
تتوسط صحن المسجد فَسْقِيَّةٌ جميلة تعلوها مظلة، وتحيط بها صنابير الماء لمن أراد الوضوء، تجمع في جوانبها وتفاصيلها أشكالا من الزخرفة والحُسن على عادة المساجد القديمة.
وبجوار المسجد باب زويلة الشهير أحد أبواب القاهرة القديمة، فانتهز مهندس المسجد فرصة وجوده ملاصقاً للمسجد فاتخذ منه قاعدتين لبناء منارتين شاهقتين، تراهما من بُعد كأختين متبتلتين تصليان بخشوع منذ أكثر من ستة قرون.
بُنِيَتْ كل منارة من ثلاث طوابق، حليت بالكتابات والنقوش والزخارف الإسلامية البديعة، ويعلو الطابق الثالث من كل مئذنة خوذة على شكلٍ كُمَثْرِيٍّ يعلوها هلال نحاسي.
وأما محراب المسجد الأخاذ، ومنبره العتيق، ففيهما تتجلى أبهى صور الجمال والزخرفة والعظمة في فن العمارة الإسلامية الأصيلة.
تعلو المسجد قبته الوحيدة الفريدة، تختزل في ثراها قصة المسجد وذكرياته، حيث دفن تحتها مؤسس المسجد وبانيه السلطان المؤيد شيخ وكذلك ابنه قبل أن يكتمل بناؤها.
رُمِّمَ مسجد المؤيد شيخ عدة مرات، وأقيمت له إصلاحات لِمَا تهدم وبَلِي منه، روعي فيها الاحتفاظ بطريقة بنائه الذي أنشئ عليه.
تحدث المؤرخون منذ القدم عن مسجد السلطان المؤيد شيخ ووصفوا جمال بنائه بعبارات مختلفة، فقال عنه السخاوي: (قيل أنه لم يُعْمَر في الإسلام أكثر منه زخرفة ولا أحسن ترخيماً بعد الجامع الأموي).
ووصفه المؤرخ المقريزي بقوله: (فهو الجامع الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان. يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنو شروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان).
ووصفه السلطان سليم بقوله: (هذه عمارة الملوك).
ولمكانة مسجد المؤيد شيخ في الآثار المصرية فقد تم تزيين وجه العملة الورقية المصرية فئة 100 جنيه برسم لمنارتي المسجد فوق باب زويلة في إصدارات قديمة كانت تطبع خلال عامي 1921 و 1945م.
إنه مسجد المؤيد شيخ، فخر مساجد عصر المماليك الجراكسة.
٠