فاتن ابوسديرة تكتب انتشار ثقافة التوكتوك
كثر الجدل الدائر فى الاونة الاخيرة حول غناء المهرجانات التى بدأ ظهورها مع ظهور التوك توك فى الشوارع وانتشرت على نطاق واسع واصبحت تقتحم آذانك رغما عنك سواء كنت تتسوق فى محل تجارى أو تستقل تاكسى أو حتى دعيت لفرح أوعيد ميلاد ..فإينما ذهبت تجد موسيقاها الصاخبة التى تمتزج بكلمات ركيكة مبتذلة بالكاد يمكنك تفسير بعض مفرداتها من صخب الموسيقى المصاحبة لها
وزاد الأمر حده حتى تخطت كلماتها حدود المعقول فلم تصبح فقط مبتذلة أوهابطة بل أصبحت تروج للإباحية وتخدش الحياء العام مما اضطر نقيب الموسيقيين الفنان هانى شاكر لمحاولة التصدى لهذا التيار الهابط بإصدار قراره بإيقاف مؤدوا هذا اللون من الغناء وعدم التصريح لهم باقامة أوالمشاركة فى اية فعاليات او حفلات عامة
وانقسم المجتمع حيال هذا القرار بين مؤيد ومعارض فالبعض يرى ان قرار النقيب قرار صائب لحماية النشأ والمجتمع مما تقدمه هذه المهرجانات من فنون هابطة وإسفاف …. وأخرون يرون أن هذا القرار هو قرارا تعسفياً من النقيب وفرض وصاية على الجمهور فيما يسمع والأجدرأن نترك للناس الخيار لان العملة الجيدة تطرد الرديئة فلو رفضها الشارع ستنقرض تدريجياً
ولكل رأى من الجبهتين مبرراته واسبابه التى يسوقها الينا
لكننا و"بفلاش باك" بلغة السينما يعيدنا إلى زمن الفن الجميل نجد أن كل من حملوا لواء حماية الفنون فى مصر لا سيما الفن الغنائى فى الماضى ووضعوا موضع المسئولية كان لهم دورا بارزا فى التصدى للفن الهابط والاسفاف فى الكلمة والفعل وكل ما يقدم لعامة الجمهور
فالشاعر يونس القاضى صاحب النشيد الوطنى "بلادى بلادى" كتب اغنية لسلطانة الطرب وقتها السيدة منيرة المهدية فى العشرينيات من القرن الماضى يقول مطلعها " أرخ الستارة اللى ف ريحنا أحسن جيرانك تجرحنا.." ورغم كونه هو مؤلف هذه الكلمات التى كانت وقتها تمثل منتهى الاباحية والفجور الا انه حينما اختير مراقبا فنيا للداخلية فى الاربعينيات وكان دوره الاشراف على الاعمال الفنية المذاعة على الجمهور اصدر قراره بمنع هذه الاغنية ومصادرتها لانها تنافى الاخلاق والذوق العام
كما قامت الاذاعة المصرية فى الخمسينيات من القرن الماضى بإيقاف ومنع أغنية فريد الاطرش "ما قلى وقلت له يا عوازل فلفلوا .." بدعوى انها تحمل تعبيرات شعبية دارجة لا يصح نشرها فى المجتمع
ومن الطريف ان كوكب الشرق السيدة ام كلثوم وهى اول من انشأت نقابة للموسيقيين وتولت مسئوليتها لسبع دورات متتالية بلغها ان العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ فى احد حفلاته الصيفية وفى يوم شديد الحرارة اضطر لخلع" الجاكيت" اثناء غناءه على المسرح فاستدعته الى مقر النقابة وعنفته بشدة على تصرفه على المسرح متهمة اياه بعدم احترامه للفن ولجمهوره فبادر حليم بالاعتذار معللا تصرفه بعدم قدرته على تحمل حرارة الجو
كان زمنا راقيا جميلا فن يحترم المتلقى ومطرب يحترم نفسه اولا وجمهوره ثانيا
وكان مسئولوا الثقافة والفنون على قدر المسئولية فيما يذاع على الناس فتصدرت الفنون الراقية الهادفة حتى كان رجل الشارع العادى يدندن بقصائد الفصحى لام كلثوم وعبد الحليم مما كان يبث عبر الاذاعة الرسمية للدولة
ولم تجد الفنون الهابطة والاسفاف الفنى وقتها مرتعا غير الحانات والملاهى الليلية وسط السكارى والمغيبين بعيدا عن بيوتنا ومجتمعنا
اما الان اختلط الحابل بالنابل وابتلينا بداء "الترند" الذى يصدر لك اى محتوى مبتذل طالما استطاع ان يحقق نسب مشاهدة عالية لأى مادة رخيصة
فاين مسئولى الثقافة والفنون فى هذا البلد مما يقدم للناس اين وزارة الثقافة !!؟واين الجهات الرقابية واتحاد النقابات الفنية من نشر هذه المهازل!؟ الم يأن الاوان لفرض رقابة ما على المواد المتاحة عبر الشبكة العنكبوتية !؟
ومن يدعم قرار نقيب الموسيقيين فى ايقاف هذه الترهات الصوتية النشاذ ويحمينا من ابداعاتهم
وكيف ينعدم التنسيق بين مسئولى الثقافة والفنون فى مصر والدول العربية الشقيقة !!ففى الوقت الذى يصدر فيه قرار نقابى بإيقاف مؤدى هذه المهرجانات وعدم منحهم تصاريح بالغناء داخل مصر يطلوا علينا بحفلات فى دول عربية شقيقة بل ونجد احتفاء بهم وتكريم من الاشقاء العرب لمن يساهم فى تشويه صورة الفن المصرى بالخارج
الفن المصرى الذى عاش عقودا من الزمان خير سفير لبلادنا فى الخارج وعلم العرب العامية المصرية الجميلة
الامر جد يحتاج لوقفة ويحتاج لتدخل من اعلى السلطات للحفاظ على هويتنا الثقافية وتراثنا الفنى من التشويه المتعمد ورقابة على ما ينشر على كافة وسائل "الميديا" فهى مسئولية جسيمة لحماية مجتمعنا وشبابنا من نشر الفنون الهابطة والاسفاف وتحتاج التصدى لها بقوة وبمنتهى الحزم والسرعة
