18:10 | 23 يوليو 2019

علي إمام المتقين.

12:07am 14/12/20
د ماهر جبر
ماهر جبر


تبدأ رحلتنا المباركة بإذن الله تعالى مع الأوائل في الإسلام، وهم الرعيل الأول اللذين وقفوا بجانب الدعوة الإسلامية في مهدها ولاقوا في سبيل ذلك من المشاق والعذاب مالاقوه حتي انتصر بهم الرسول صلي الله عليه وسلم، وساد بهم شرع الله واستتب الأمر لدينه، فعلي أكتافهم قامت الدعوة لدين الله، فكانوا مُهانين فأعزهم الله بالاسلام، وكانوا مُستضعفين فإستقووا به، نعم إنه النور والشمس التي سطعت وسط هذا الظلام الحالك في صحراء مكة وربوعها، مؤذنة بميلاد فجر جديد يعُم الكون كله، ويرسي دعائم العدل والحق والخير ويمحو كل أباطيل الكفر والشرك والعصيان، ذلك لأنه عندما تشرق شمس الحق فلابد أن تختفي الجرذان في الشقوق والجحور والوديان، وإذا كان الفقراء والضعفاء والمُستعبدين من أمثال بلال بن رباح وغيره قد لاذوا بالدعوة الجديدة لتعزهم وترفع من شأنهم، غير أن ما يُلفت الإنتباه ويدعوا الي الدهشة هو ما كان من أمر بعض المُنضمين الي الدين الجديد من سادة قريش ومترفيها أمثال عثمان بن عفان، مُصعب بن عمير وغيرهم، فما كان هدفهم من الإنضمام الي هذا الدين الذي يسفه أحلامهم، ويخالف دين أبائهم وأجدادهم، غير أنه نداء من السماء اختصهم فاستجابوا له، وترتيب من الله ليقوي بهم رسوله صلي الله عليه وسلم في مواجهه جحافل قريش وسادتها من المشركين غلاظ القلوب، وهو ما يدعونا لأن نُفرد لهؤلاءالرجال من هذه الرحلة بعض اللقطات المضيئة، والمواقف الرائعة التي أنارت لنا الطريق منذ ذلك الزمان البعيد، وإذا كان هذا نهجنا في سرد بعض سير هؤلاء، إلا أننا لابد أن نحيد عن ذلك لنقف أمام غُرة فتيان قريش وأول من أسلم من الصبيان، ثم صار بعد ذلك أعلم الصحابه وأفقههم، ومناقبه كرم الله وجهه كثيرة لا تسعها آلاف المقالات، لكننا نحاول الوقوف على بعضها حتى نأخذ منها العبرة والعظة كي نعيد تقييم أنفسنا مرة أخرى، وكونه أحد الأوائل في الإسلام اللذين سنحاول سرد بعض المواقف الخالدة من حياتهم.
يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا، يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسي، لولا أني خاتم الأنبياء والمرسلين، ما قام ولا إستقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف علي، ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين، من آذى علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه.
تلك هي بعض أقوال نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في إمام المتقين، أما عن نفسه عندما طُلب منه تعديد مناقبه فيقول (محمد النبي أخي وصهري، وحمزة سيد الشهداء عمي، وجعفر ذاك من يُمسي ويُضحي، يطير بين الملائكة بن أمي، وبنت محمدُ سكني وزوجي، منوط لحمها بدمي ولحمي، وسبطا أحمد ولدايا منها، فأيكمُ له سهم كسهمي)، فأقر الجميع بتفرده معترفين قائلين ليس لأحد مالك يا أبا الحسن. 
 إنه إمام المتقين علي كرم الله وجهه، لن نتحدث عنه في صغره حيث أن ذلك قيل فيه الكثير وإنما نُفرد هذه الصفحات لنطوف معه من خلالها بعد أن أصبح فتىً يافعاً يصول ويجول في طرقات مكه بعد أن فتحها الله علي رسوله ونصره نصراً مؤزراً علي صناديد قريش وسادتها ويأخذ عن الرسول صلي الله عليه وسلم تعاليم الدين الجديد ثم يتفقه فيه حتي يقول عنه أنا مدينة العلم وعلي بابها، وإن أشد مايلفت الإنتباه ويثير العجب في هذا الفتى، بل ويدعوا الي الحيرة هو بديهته الحاضرة حضوراً قوياً، فعندما يُسأل عن مسألة لايجيب عنها إجابة العالم بها فقط، وإنما أيضاً إجابة المتحضر لها وكأنه يعرف مسبقاً أنه سيُسأل عن ذلك، فعهدنا بأهل العلم عندما يوجه لهم سؤال أن يبحثوا فيه أو يناقشوه بتراخي حتي يستحضروا الإجابة عنه، أما هو فما يكاد من يسأله الإنتهاء من سؤاله حتي تكون الإجابة حاضرة وكأنه كما قلنا يعلم جيداً انه سيُسأل هذا السؤال وأنه إستعد للإجابه عليه، وهذا هو مبعث الحيرة في شخصيته حيث أن ذاك هو موطن عبقريته .
ولنقارن بينه منذ ألف وأربعمائه عام وبيننا الآن، ولنقدم نفس السؤال الذي أجاب عليه منذ ذلك الزمان لأحد علماؤنا في الوقت الحاضر وننظر كم من الوقت يحتاج للإجابة عليه؟، والأمثلة علي عبقرية الإمام وتفرده كثيرة نذكر منها بعض الومضات، فعندما يُسأل وهو علي المنبر عن مسألة في الميراث تشتمل علي عول ورد، ولمن لا يعرف فالعول في الميراث معناه أن تقل الأموال أو العين الموروثة عن الأنصبة المفروضة شرعاً وفي هذه الحالة يتم انتقاص نصيب كل فرد بنسبة ميراثه، أما الرد فعلي العكس من ذلك يعني زيادة الأموال أو العين الموروثة عن الأنصبة المفروضة فيتم رد الزيادة علي الورثة والأقربون لكن ذلك بشروط ونسب معينة أيضاً، فهناك من يُرد عليه  ومن لا يُرد عليه، نقول عندما يُسأل الإمام عن ذلك يرد مباشرة محدداً الأنصبة، بينما لو تعرض فقهاؤنا الآن لذلك نجد أنهم يأخذون وقتاً طويلاً حتي يجيبوا، وهذا ليس نقصاً فيهم بقدر ما هو زيادة وفضل في الإمام، وإذا أردنا مثالاً آخر فإننا نتعجب من طلاقته أيضاً عندما يمر علي جماعة من المسلمين يختلفون علي أشد جنود الله في الأرض، فما أن يروه حتي يحتكمون إليه موقنين أن لديه الاجابة الشافية، فيقولون يا أبا الحسن ما أشد جنود الله في الارض ؟، فيبسط يديه الإثنتين مشيراً الي أنهم عشراً، إذاً هو لم يتردد بل لم يحاول علي الأقل حصرهم وكأنه يعرف مسبقاً أنه سيُسأل عن ذلك.
وعن علمه يقول عن نفسه (والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلب عقول، ولسان صادق ناطق)، وأصدق دليل على ذلك ما حُكي عن إمرأتان لرجل واحد   حضرتا إليه متخاصمتين وقد ولدتا في نفس اليوم وفي نفس الساعة، وأنجبت إحداهما ولداً والأخرى أنجبت بنتاً، وإدعت كلاً منهما أن الولد لها، وأنها لم تلد الفتاة، فقبض علي كرم الله وجهه قبضة من تراب وقال إن هذه القضية أسهل من حمل هذا، ثم أمر بميزان ووعائين صغيرين متساويين، ثم أمر كل إمرأة منهما أن تضع كمية من حليبها في أحد الإنائين مساوية لحليب الأخرى تماماً في الحجم، ووزنهما فوجد حليب إحداهما أثقل من الثاني فقال لصاحبته أنتي أم الولد، ولما سُئل الإمام عن ذلك قال( إن الله سبحانه وتعالى عادل في كل شيء، وقد قال في كتابه الكريم، وللذكر مثل حظ الأنثيين، لهذا يكون حليب الأم التي ولدت الذكر أكثر كثافة من حليب الأم التي وضعت الأنثى)، فأقرت وإعترفت والدة الفتاة بذلك.
وأما عن زوجته فاطمة الزهراء أُم أبيها كما كان يناديها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُخفي الإمام حبه الشديد لها، فكان يقول عنها (ما رأيتها يوماً، إلا وذهب الهم الذي كان في قلبي)، بل صور ذلك الحب والغيرة الشديدتين في بيتين من الشعر من أروع ما يكون الغزل، وكان ذلك لما دخل عليها وهي تستاك أي تغسل أسنانها بالسواك، والمعروف أنه عود من شجرة تُعرف بالآراك، فلما رأى ذلك أنشد قائلاً: (هُنئت يا عود الآراك بثغرها، ما خفت يا عود الآراك أراك، لو كان غيرك يا سواكُ قتلته، ما فاز مني يا سواكُ سواكَ)، أي أنه كان يغار عليها حتى من السواك الذي تغسل به أسنانها.
ثم كانت نهاية حياة الإمام على يد عبد الرحمن بن مُلجم لعنة الله عليه، فإستشهد ورسول الله وكل الصحابة عنه راضون، وغسله ولداه الحسن والحسين وابن أخيه عبدالله بن جعفر وصلى عليه الحسن رضي الله عنه. وكان رضي الله عنه عند توزيع الغنائم بعد أي معركة يعطي عبد الرحمن بن مُلجم نصيبه قائلاً له (خُذ والله إنك قاتلي، فيقولون له إذاً لماذا لا تقتله يا إمام ؟ فيقول لكنه لم يقتلني بعد)، وفي ذلك قال أحد الشعراء، فليتها إن فدت عمراً بخارجة، فدت علياً بمن شاءت من البشر، وعمراً المقصود هو عمرو بن العاص والي مصر آنذاك، وخارجة هو قاضي مصر الذي قُتل مكانه في صلاة الفجر.
لكنه لا عجب في النهاية من كل هذه الخصال الرائعة لإمام المتقين، فإنما هو تربية محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قال عنه إنه لم يعرف الله إلا أنا وعلي، ولم يعرفني إلا الله وعلي، ولم يعرف علي إلا الله وأنا، فأي كرامة وأي مكانة يرتقيها الإنسان أبعد من إقترانه بالله ورسوله، وأي أسرة أعظم من أسرة قائدها علي كرم الله وجهه، وربتها فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة، وفروعها الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة، وقبل كل ذلك جد هو الرسول الأعظم سر كمال الإنسانية وجمالها، رحم الله إمام المتقين وجعلنا رُفقائه في الجنة.

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn