انفراد خاص… الدكتور الأنصاري النيداني يتصدر التريند برؤية علمية غير مسبوقة حول مستقبل المرافعات والعدالة الرقمية
في وقت تتزاحم فيه الأسئلة الكبرى حول مستقبل العدالة في العالم، ويتسارع فيه إيقاع التحول الرقمي داخل المحاكم والنيابات ومكاتب المحاماة، تصدّر اسم الدكتور الأنصاري النيداني، أستاذ ورئيس قسم قانون المرافعات، منصات البحث ومواقع التواصل، بعد سلسلة من القضايا الفكرية العميقة التي أثارها حول مصير المرافعات في عصر الذكاء الاصطناعي وواقع العدالة الحديثة، وهي قضايا لم يتجرأ على طرحها بهذا الاتساع سوى عدد قليل من العلماء المتخصصين، لتتحول آراؤه وتحليلاته– التي لم ينسبها لنفسه تصريحًا بل فتح باب النقاش العلمي حولها– إلى محور اهتمام واسع ومواد مشتركة يتداولها القانونيون بشغف خلال الأيام الأخيرة، مما جعله في صدارة التريند بوصفه واحدًا من أبرز الأصوات التي تقود الحوار القانوني في مصر حول مستقبل الإجراءات القضائية.
المشهد الإجرائي يشهد تغيرًا لم تعرفه المحاكم من قبل؛ تطبيقات رقمية، منصات تقدم الدعاوى إلكترونيًا، جلسات تُدار عن بُعد، وأدوات ذكاء اصطناعي باتت جزءًا من العمل اليومي داخل المؤسسات العدلية، وعلى الرغم من أن الرقمنة أصبحت ضرورة لا يمكن مقاومة تيارها، فإن الخوف من اختزال العدالة في شاشة يظل هاجسًا ملحًا، فالسؤال الذي يشغل العقول اليوم: هل العدالة الإلكترونية يمكن أن تظل عدالة تحمل روح الإنسان وعمقه؟ وهل تستطيع المنظومات الرقمية أن تحافظ على تلك المسافة الأخلاقية التي تفصل بين القانون كتقنية والقانون كفلسفة؟ ما يطرحه الواقع يشير إلى أن الخطر لا يكمن في التكنولوجيا ذاتها، بل في الطريقة التي تُدار بها، فإذا أُحسن استخدامها أصبحت ضمانة للشفافية والسرعة، وإذا أسيء تنظيمها تحولت العدالة إلى إجراءات بلا حرارة إنسانية.
السؤال الأكثر إثارة يتمثل في احتمالية ظهور “قاضٍ آلي” يتولى جزءًا من الإجراءات أو التحليل، وفي حين يبدو ذلك مغريًا من ناحية الكفاءة والسرعة، فإن الحقيقة القانونية الثابتة تؤكد أن القضاء لا يُستنسخ آليًا، لأن الحكم ليس مجرد عملية حسابية أو تحليل بيانات، بل هو ضمير وقيمة ونظرة إنسانية لا يمكن لأي خوارزمية أن تستوعبها بالكامل، ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على تقديم دعم تحليلي مذهل، من فرز المستندات مباشرة إلى تحليل السوابق وربط الأنماط، فيتحول القاضي من باحث في الملفات إلى مفسّر للعدالة، ويبقى القرار النهائي ملكًا للإنسان وحده مهما تقدمت الآلة.
العالم الجديد قائم على العوالم الافتراضية، والميتافيرس ليس مجرد لعبة تقنية بل بيئة قانونية مكتملة قد يُعقد فيها اجتماع، أو يُبرم عقد، أو تنشأ فيها خصومة، وعندها يصبح سؤال “الاختصاص المكاني” سؤالًا نسبيًا، لأن المكان لم يعد جغرافيًا بل رقميًا، ويصبح حضور الخصوم أمام القضاء حدثًا لا يُقاس بالمسافة بل بالاتصال، مما يجعل قانون المرافعات أمام تحدٍ فلسفي عميق: كيف يُعرّف المكان في واقع بلا حدود؟ وكيف تُحسب المسافات عندما تكون المحكمة غرفة ثلاثية الأبعاد يدخلها المتقاضون بأفاتار؟ إنها ثورة مفاهيمية ستجبر التشريعات الإجرائية على إعادة النظر في الكثير من قواعدها التقليدية.
القوانين الإجرائية وُضعت لعصور لا تشبه عصرنا، فقد كُتبت في وقت كانت الورقة والقلم، والحضور المادي، والمستندات الورقية، هي أساس التقاضي، واليوم نحن أمام عالم يتغير كل 6 أشهر، فهل يظل النص ثابتًا أم يتطور؟ الاتجاه العالمي يؤكد ضرورة تبني “المرونة التشريعية”، وهي فلسفة تجعل النص قادرًا على التأقلم مع الواقع بدلًا من أن يخنق الواقع في إطار حرفيته، فالتشريع الحديث يجب أن يكون مرنًا، حيًا، قابلًا للتحديث المستمر، خاصة في الإجراءات التي تتصل مباشرة بحق التقاضي والوصول إلى العدالة.
قد يظن البعض أن تطوير العدالة يبدأ بتغيير النصوص فقط، لكن الحقيقة أن القانون لا يعمل وحده، بل يعمل داخل منظومة كاملة تضم التعليم القانوني، والثقافة المهنية، والتدريب القضائي، وأدوات التقاضي الرقمية، والبنية التقنية للمحاكم، لذلك فإن إصلاح المرافعات لا بد أن يكون مشروعًا شاملًا، يبدأ من العقل قبل الورق، ومن بناء الإنسان القانوني قبل تعديل المادة.
العالم لم يعد يحتمل نزاعات تمتد لسنوات، ولذلك يتجه الفكر القانوني الحديث إلى تحويل المرافعات من مجرد مسار للخصومة إلى مسار للتسوية الإبداعية، بحيث تُصبح الإجراءات أداة لاحتواء النزاع قبل انفجاره، لا مجرد إدارة تفصيلاته داخل المحكمة، وهذا الاتجاه– الذي يعتمد على الوساطة الرقمية والتسوية التكنولوجية– أصبح واقعًا في العديد من الدول وأثبت قدرته على تخفيف العبء القضائي وتحقيق العدالة في وقت أقل وبمرونة أكبر.
مع ازدهار التجارة الإلكترونية وازدياد التحكيم الدولي، أصبحت الخصومة القانونية ذات طابع دولي يمتد خارج الدولة، مما يفرض تعاونًا وتشابكًا بين القوانين الوطنية والقوانين الدولية، لكن هذا التشابك لا ينبغي أن يمس السيادة القضائية، بل يجب أن يكون في إطار مدروس يوازن بين الانفتاح والخصوصية الوطنية، وهي معادلة دقيقة تحتاج إلى تشريعات محكمة وقضاة يمتلكون دراية واسعة بالقانون الدولي والإجراءات العابرة للحدود.
قلة من الطلاب اليوم يدركون أن قانون المرافعات ليس مادة لتحفيظ الإجراءات، بل علم فكري متطور يتغير بتغير العالم، لذلك فإن تدريس المرافعات يحتاج إلى ثورة مفاهيمية تجعل الطالب يرى الإجراءات كفلسفة لا كأبواب جامدة، وأن يتعلم كيف يفكر، لا كيف يردد، وأن يربط النص بالواقع التقني الذي سيواجهه في المستقبل، لأن المحامي والقاضي القادم يجب أن يتعامل مع الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والمنصات الرقمية كجزء من عمله اليومي.
الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل آلاف السوابق خلال ثوانٍ، مما يثير احتمال صياغة بعض النصوص الإجرائية مستقبلًا عبر نماذج تحليلية ذكية، ورغم أن ذلك قد يسهم في سرعة التشريع، إلا أن الاعتماد الكلي على “تشريع آلي” يظل أمرًا غير مقبول، لأن التشريع ليس بيانات فقط، بل أخلاق وفلسفة ورؤية إنسانية لا تستطيع الخوارزميات أن تنسخها مهما بلغت قوتها.
مع تأثير مواقع التواصل، أصبح القاضي والمحامي تحت عين الرأي العام، وأصبحت بعض القضايا تُحاكم اجتماعيًا قبل أن تُحاكم قانونيًا، مما يجعل الحياد تحديًا وصيانة المهنة مسؤولية كبرى، ويتطلب ذلك وضع قواعد مهنية جديدة تحمي سرية الإجراءات واستقلال القاضي، وتضمن عدم خروج المحاكمات من قاعاتها إلى ساحات السوشيال ميديا.
وسط كل هذه الأسئلة المتشابكة، جاءت كلمات الدكتور الأنصاري النيداني لتشكل نقطة مضيئة في المشهد القانوني، حيث قال نصًا: "هذه التساؤلات تستحق أن يُكرس لها مؤتمر علمي يناقش كافة هذه المحاور البالغة الدقة والتعقيد، وإن شاء الله أعمل على أن يكون المؤتمر العلمي القادم لحقوق بنها في هذا المضمار."
وهي جملة تؤكد أن النقاش لن يتوقف عند حدود الفكر النظري بل سيتحول إلى مشروع علمي حقيقي تقوده كلية الحقوق – بنها. ثم استكمل بقوله: "وأبشّرك أننا نناقش عشرات رسائل الدكتوراة في الذكاء الاصطناعي في مجال قانون المرافعات والتحكيم والتنفيذ الجبري والإثبات والخبرة والترجمة و…… إلخ." وهو تصريح يعكس أن الجامعات المصرية أصبحت في قلب التحول الرقمي العالمي، وأن المستقبل القانوني الجديد لا يُولد في الخارج فقط، بل يُصنع هنا أيضًا، داخل أروقة البحث العلمي المصري.



















