قبل أن تضيع الأمانة… من يركب الحصان الأسود؟
كلما اقتربت الانتخابات البرلمانية، اشتعلت الأحاديث، وازدادت الزحمة في الشوارع والمقاهي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. الكل يتحدث: من سينجح؟ من سيركب الحصان الأسود؟ من سيجلس على مقعد البرلمان؟
أسئلة كثيرة تُطرح، ووعود تُنثر، وصور تُعلّق في كل زاوية، حتى أصبحت الجدران تنطق بأسماء المرشحين أكثر مما تنطق بالحياة نفسها.
لقد بدأ العد التنازلي، وبدأ معه الزحام والكلام والجدال والاتهامات والتشكيك… مشاهد متكررة تُرهق العقول وتُدمي القلوب.
نرى سماسرة يتاجرون بالأصوات، ومالاً سياسيًا يُوزَّع بلا حياء، ووعودًا تُباع كما تُباع السلع في الأسواق، وكأن مقعد البرلمان أصبح غاية، لا وسيلة لخدمة الناس.
لقد تغيرت الصورة يا سادة، لم تعد الانتخابات كما كانت زمان، يوم كانت المنافسة شريفة، والوجوه معروفة، والنية طيبة، والغاية خدمة الوطن والناس.
أما اليوم، فقد دخلت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ساحة المعركة، وأصبح الهاتف سلاحًا يُطلق به القذف والسب والتشهير والتزوير.
كل ثانية هناك منشور جديد، ومقطع مفبرك، ومستند مزيف يُلقي بظلاله على سمعة هذا أو ذاك.
ونسينا أن المقعد النيابي أمانة، وأن النائب ليس وجاهةً ولا سلطةً، بل مسؤول أمام الله عن صوت المواطن البسيط، الغلبان، قليل الحيلة.
ننسى أن الأمانة في أعناقنا جميعًا، وأن الصوت الذي نمنحه يجب أن يكون لمن يستحق، لا لمن يدفع أكثر.
يا أبناء وطني…
الانتخابات ليست حربًا ولا صراعًا على الكراسي، إنها شهادة حق وواجب وطني وديني.
قال تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"
فلنضع أيدينا على قلوبنا، ولنراجع ضمائرنا قبل أن نضعها على صندوق الاقتراع.
المال يزول، والكرسي يفنى، ويبقى العمل والذكر الطيب.
فهل نعي الدرس؟
هل نصحو قبل أن تضيع الأمانة، وقبل أن يضيع الوطن بين أصحاب النفوس والسلطة؟
افيقوا يا أبناء مصر…
فالمواطن البسيط هو الضحية، إن لم نحسن الاختيار، وإن لم نحفظ الأمانة.




















