صفعة مسن في السويس.. حين تتعرى الإنسانية أمام اختبارها
العجوز ليس مجرد شخص متقدم في العمر؛ هو رمز للحكمة، خزانة للذاكرة، ومرايا تعكس بقايا الرحمة في القلوب. احترام كبار السن ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل هو أصل حضاري نابع من صلب القيم التي شكلت ثقافتنا وعراقتنا عبر الأزمان. عندما يُهان شخص مسن طالته آثار الزمن، تُهان معه القيم التي رسخت وجود المجتمع المصري لعقود، قيم مثل الشهامة، الستر، المروءة، والاحترام.
نحن لا نقدر الكبير لأنه ضعيف، بل لأنه يحمل في ذاته فضلًا وعبرًا. أعمارنا جميعها تسير على نفس الدرب الذي سلكه من سبقونا، وكل موقف يُظهر الجفاء تجاه الكبار يستهين بما صنعوه وما عانوا لتحقيقه.
الصفعة التي رأيناها لم تكن فقط اعتداءً على شخص واحد؛ كانت صفعة لكرامة مجتمع بأسره. هي جرح لكل رجل يرى في والده مثالا للقدسية ولكل امرأة تعي قيمة الشيخوخة التي تفرض ذاتها على الآخرين بالاحترام دون الطلب. هي لطمة على قلوب الأبناء الذين يعون تعب الزمن على أجساد آبائهم، وحملهم لأثقال الذكريات والوصايا وأحلامٍ ربما لم تسعفهم الأيام لتحقيقها.
ما الذي يجعل إنسانًا يمد يده ليؤذي شيخًا؟ هل هو الغضب؟ غياب الضمير؟ أم نقصٌ في التربية؟ ربما الأمر أعمق من ذلك. ربما ما نواجهه هو أزمة انسحاب الحس الإنساني وتآكل الرحمة. إذا أصبح الضعيف مستهدفًا، يتحول المجتمع من كيان مترابط إلى غابة تعج بالفوضى والصراعات الفردية الخالية من أي روابط أخلاقية.
في هذه الحالة، لا تكون الواقعة مجرد تجاوز شخصي، بل انعكاسًا لثقافة تحتاج إلى مراجعة وإعادة بناء. علينا أن نعلم أبناءنا أن اليد مخلوقة لترفَع بالدعاء، لا للاعتداء. أن القوة ليست في العدوان بل في ضبط النفس. وأن الرجولة تتجسد في الحماية والعطاء لا في الصوت العالي أو الإساءة.


















