أمريكا وسيادة الأرض... من القوة إلى السيطرة

في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الحفاظ على عرشها كقوة أولى في النظام الدولي.
لكن بينما تتحدث واشنطن عن “حرية الشعوب” و”سيادة القانون”، تمارس على الأرض سياسة تُعيد تعريف مفهوم “السيادة” بمعناها الأمريكي الخالص: من يملك القوة... يملك الحق.
---
المقال:
منذ منتصف القرن العشرين، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كقوة عظمى تتحكم في موازين العالم، لا فقط اقتصادياً وعسكرياً، بل فكرياً وسياسياً أيضًا.
رفعت شعار “نشر الديمقراطية”، لكنها في الواقع استخدمته غطاءً لتوسيع نفوذها وفرض وصايتها على العالم تحت مسمى “سيادة الأرض” — سيادة لا تقوم على الحق، بل على منطق القوة.
في كل أزمة دولية، يظهر الموقف الأمريكي محمّلاً بلغة إنسانية منمقة، بينما تتحرك على الأرض ببراغماتية باردة.
ففي الشرق الأوسط، دعمت أنظمة ثم انقلبت عليها، وتدخلت عسكرياً بحجة محاربة الإرهاب، لكنها خلّفت وراءها دولاً ممزقة ومجتمعات محطّمة.
وفي أمريكا اللاتينية، دعمت انقلابات بحجة “حماية الديمقراطية”، وفي آسيا فرضت حصاراً وعقوبات كلما تضررت مصالحها.
أمريكا لا تؤمن بسيادة الدول، بل تؤمن بسيادة مصالحها فوق كل اعتبار.
فهي تمارس سياسة “التحكم عن بُعد”، حيث لا تحتاج إلى الاحتلال العسكري المباشر لتفرض إرادتها، بل تستخدم الاقتصاد، والإعلام، والمنظمات الدولية كأدوات ضغط ناعمة.
ومن خلال “العقوبات الاقتصادية” و”المساعدات المشروطة”، تحوّل الدول إلى تابعين دون الحاجة لإطلاق رصاصة واحدة.
أما حين تتحدث عن “سيادة الأرض”، فهي تقصد سيادتها هي، لا سيادة الآخرين.
تعتبر أن العالم كله ساحة نفوذ مشروعة لها، وأن من يعارضها يهدد الأمن العالمي.
هكذا نجحت أمريكا في تحويل مفهوم “السيادة” من حق وطني إلى امتياز احتكاري.
لكن ما يغيب عن واشنطن أن العالم يتغير.
القوة لم تعد تُقاس فقط بعدد حاملات الطائرات، بل بقدرة الدول على الصمود والاستقلال في القرار.
وصعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا يعيد رسم الخريطة الدولية، ويكسر فكرة “القطب الواحد” التي ظلت أمريكا تتربع عليها لعقود.
واليوم، يخطو العالم نحو مرحلة جديدة من التعددية القطبية، حيث لم تعد واشنطن وحدها المتحكم في موازين اللعبة الدولية.
أوروبا بدأت تبحث عن استقلالها السياسي، وآسيا تعيد بناء نفوذها الاقتصادي، والشرق الأوسط صار أكثر وعيًا بوزنه الجيوسياسي.
كل ذلك يشير إلى أن زمن الهيمنة الأمريكية المطلقة يقترب من نهايته، وأن “سيادة الأرض” لن تُقاس بعد الآن بمدى النفوذ الأمريكي، بل بقدرة الشعوب على الدفاع عن قرارها واستقلالها.
---
الخاتمة:
في النهاية، قد تملك أمريكا الأرض بالنفوذ، لكنها لم تعد تملك وحدها القرار.
وسيطرتها التي بُنيت على القوة بدأت تتآكل أمام عالمٍ أكثر تنوعًا ووعيًا بمصالحه.
فمن يظن أن السيطرة الأبدية قدر محتوم، ينسى أن التاريخ لا يعرف إلا قانونًا واحدًا: لا أحد يملك الأرض إلى الأبد