زاد العزة من مصر إلى غزة.. القافلة الـ39 تكسر الحصار وتفضح ازدواجية المواقف الدولية

لم تكن القافلة الـ39 من مبادرة زاد العزة من مصر إلى غزة التي انطلقت صباح اليوم من الأراضي المصرية متجهة مباشرة إلى معبر كرم أبو سالم مجرد قافلة مساعدات إنسانية محملة بالمواد الغذائية الأساسية والأدوية والمستلزمات الطبية فحسب بل كانت رسالة سياسية متكاملة الأركان تحمل في طياتها عدة رسائل على المستويين الإقليمي والدولي
مصر ودورها القومي في دعم فلسطين
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة لم تتوقف القاهرة عن لعب أدوار متعددة إنسانية وسياسية وأمنية فهي تدرك أن معاناة الفلسطينيين لم تعد تقتصر على القصف والدمار بل تمتد إلى حياة يومية قاسية بفعل الحصار وإغلاق المعابر ومنع دخول الوقود والمساعدات ومع ذلك لم تستسلم مصر للواقع المفروض بل عملت على تسيير القوافل تباعا حتى وصلت اليوم إلى القافلة الـ39 بما يعكس إصرارها على أن تكون حاضرة دائما في قلب المشهد
معركة الإرادة عبر معبر كرم أبو سالم
اختيار معبر كرم أبو سالم كنقطة عبور لهذه القافلة يحمل دلالات بالغة فالمعبر يخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل ما يجعل مرور الشاحنات من خلاله أشبه بمعركة إرادة سياسية بين القاهرة وتل أبيب فإذا كان الاحتلال يعتقد أن بإمكانه التحكم في أنفاس مليوني فلسطيني محاصرين فإن إصرار مصر على إدخال المساعدات يثبت أن القرار العربي لا يزال قادرا على كسر قيود الحصار
الاحتلال واستخدام المساعدات كسلاح
منذ الثاني من مارس الماضي أغلقت إسرائيل كل المنافذ المؤدية إلى غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار ولم تكتف بذلك بل اخترقت الهدنة في الثامن عشر من الشهر ذاته بقصف جوي عنيف أعقبه توغل بري في مناطق انسحبت منها سابقا ومنذ ذلك الحين لم تسمح إلا بدخول كميات محدودة جدا من المساعدات في مايو الماضي وفق آلية أمنية مشبوهة بالتعاون مع شركة أمريكية وهو ما رفضته الأمم المتحدة وأونروا والمنظمات الإنسانية لأن في ذلك تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي وسلاح لإخضاع السكان
البعد الإقليمي والدولي
القافلة الـ39 لا تعني فقط استمرار الدعم المصري بل تفضح أيضا ازدواجية المواقف الدولية فالعالم الذي يتشدق بحقوق الإنسان يقف عاجزا أمام سياسات الاحتلال بينما تتحرك مصر بمواردها وجهودها لإيصال الغذاء والدواء إلى غزة إن استمرار هذه القوافل يعكس أن مصر تدرك تماما أن القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف تفاوضي بل هي مسؤولية قومية وإنسانية وأخلاقية
القاهرة لاعب إقليمي مؤثر
ما يحدث اليوم هو إعادة تثبيت لمكانة مصر كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه فالقاهرة لا تكتفي بالوساطة في المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بل تفرض نفسها أيضا كضامن لإمداد غزة بشريان حياة متجدد إن هذا الدور يعيد التوازن إلى المشهد الإقليمي ويمنح مصر موقع الصدارة في إدارة الملف الفلسطيني بعيدا عن المساومات الدولية
زاد العزة عنوان لمعركة أكبر
القافلة الـ39 ليست مجرد شاحنات تحمل الطعام والدواء بل هي عنوان لمعركة أكبر معركة تثبيت الحق الفلسطيني في الحياة ورفض حصار الاحتلال معركة تأكيد أن مصر قادرة على أن تكون الدرع والسند وأنها لا تزال متمسكة بواجبها القومي تجاه أشقائها الفلسطينيين إن استمرار مبادرة زاد العزة هو في جوهره إعلان أن القضية الفلسطينية لم ولن تغيب عن أولويات الأمة.