فريد عبد الوارث يكتب: كلمة واحدة قلبت المشهد السياسي... ورسائل عسكرية لا تخطئها العين

في ختام كلمته خلال مشاركته في إحدى القمة العربية بدولة قطر، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبارة شديدة الوضوح، محمّلة برسائل سياسية وعسكرية بالغة الدقة، حين قال:
"وختاماً؛ يجب أن تتغير مواقفنا من نظرة العدو إلينا، ليرى أن أي دولة عربية مساحتها تمتد من المحيط إلى الخليج و مظلتها تتسع لكل الدول الإسلامية."
كلمة "العدو" – التي نُطقت لأول مرة بصيغة مباشرة في خطاب رئاسي مصري علني – لم تكن عابرة أو عفوية!! فقد جاءت على لسان رئيس يُعرف عنه الانضباط اللفظي و الدقة في توجيه الرسائل، خاصة حين يتعلق الأمر بالأمن القومي ومصير المنطقة.
لغة جديدة... ورسائل أبعد من الكلمات
التوصيف الذي استخدمه الرئيس حمل في طيّاته تغيرًا واضحًا في نبرة الخطاب العربي وتحديدًا المصري تجاه التحديات الإقليمية والدولية فالرئيس الذي يحظى باحترام دولي كرجل دولة وقائد عسكري مخضرم اختار لحظة استراتيجية وموقعًا جغرافيًا دقيقًا – في قلب الخليج – ليُرسل ما يمكن وصفه بأنه تحذير غير مباشر لكن واضح المعالم.
إن استخدام مصطلح "العدو"، دون تحديد مباشر يفتح الباب أمام تحليل متعدّد الاتجاهات:
هل المقصود قوى خارجية تتدخل في الشأن العربي؟
أم أن الرسالة موجهة لكيانات إقليمية تتربص بالاستقرار؟
أم أن الأمر تحذير ضمني لجهات تجاوزت الخطوط الحمراء مع الأمة العربية؟
الجيش المصري في خلفية المشهد .. القوة التي تفرض الاحترام
وربما ما يضفي مزيدًا من الأهمية على هذا التصريح هو أنه صادر عن الرئيس القائد الأعلى لأقوى جيش عربي وأحد أكثر الجيوش تأثيرًا في المنطقة، الجيش المصري، الذي يُعد الركيزة الأساسية لحماية الأمن القومي العربي لا يتحرك بردود أفعال، بل يستند إلى عقيدة استراتيجية راسخة مبنية على الردع و الحسابات الدقيقة، والاستعداد الكامل لكافة السيناريوهات.
وقد أثبت الجيش المصري عبر العقود – وفي سنوات ما بعد 2013 تحديدًا – قدرته على التأقلم مع المتغيرات الإقليمية و تحديث قدراته العسكرية، وتطوير شراكاته الاستراتيجية بما جعله قوة يُحسب لها ألف حساب في المنطقة.
خيار "مخيف"... لكنه حاضر على الطاولة
الكلمة التي جاءت في ختام خطاب السيسي أثارت في أوساط المتابعين تحليلات عديدة حول ما إذا كانت تُشير إلى استعداد محتمل لسيناريوهات كانت مُستبعدة لكنها اليوم باتت أقرب من أي وقت مضى.
فقد فهم بعض المراقبين أن الرئيس يُلمّح إلى أن الخيار العسكري – رغم كلفته – قد لا يكون مستبعدًا إذا ما استمرت التهديدات وكأن الرسالة تقول: "لسنا دعاة حرب، لكننا لسنا عاجزين عنها".
و في هذا السياق، يبرز تصريح سابق للرئيس السيسي حين قال:
"الجيش المصري قادر على حماية الوطن... وخارج حدوده إذا تطلّب الأمر"
من القاهرة إلى الخليج .. وحدة الأمن العربي
التأكيد في الخطاب على الامتداد من "المحيط إلى الخليج" لم يكن مجرّد توصيف جغرافي بل إعلان عن مفهوم موسّع للأمن القومي العربي، فمصر – التي لطالما اعتبرت أمن الخليج خطًا أحمر – تعيد بهذا الخطاب تثبيت المعادلة القديمة الجديدة .. أي تهديد لأي دولة عربية، هو تهديد لكل العرب.
و يبدو أن الرئيس أراد إيصال رسالة مفادها أن مصر بقوتها العسكرية والدبلوماسية لا تزال حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الإقليمي وأنها مستعدة للقيام بدورها الكامل، إن لزم الأمر، دون تردد.
ربما هي كلمة واحدة لكن وقعها كان أشبه بإنذار مبكّر، فحين يتحدث قائد بقيمة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن "العدو" فإن الرسالة تكون قد وصلت و حين يكون خلف هذا القائد جيش هو الأقوى عربيًا والأكثر انضباطًا وتسليحًا واستعدادًا فإن الرد – إذا فُرض – سيكون بحجم التحدي.