هل يجوز مَـسُّ المصحف من غير المتوضئ؟
هل يجوز مَـسُّ المصحف من غير المتوضئ؟
جمهور الفقهاء سلفاً وخلفاً على وجوب الطهارة أي الوضوء لِمَسِّ المصحف -ومنهم أئمة المذاهب الأربعة- استناداً لحديث:
أنَّ في الكتاب الذي كتبه رسولُ الله ﷺ لعمرو بن حزم:
(( ألا يَمَسَّ القرآنَ إلَّا طاهِرٌ)).
✔️ وعن هذا الحديث يقول الحافظ ابن عبد البر: (( أغنتْ شهرتُهُ عن إسناده )).
وقد ردَّ الجمهورُ على أهل الظاهر في استدلالهم بالآية الكريمة لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُون وأنهم الملائكة...
نقول نَــعَـــــم: هم الملائكة؛
لكن ما هو الكتاب المقصود هنا؟
إنه اللوح المحفوظ، وليس القرآن الكريم..
بدلالة سياق الآيات؛
اقترئها معي: (( وإنه لَقَسَم لو تعلمون عظيم إنه لقُرآن كريم في كتاب مكنون لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُون )).
لاحظ: وصفه بالمكنون وهو وصف اللوح المحفوظ،
مع ضميمة أن الضمير في قوله( لا يَمَسُّهُ ) يعود على أقرب مذكور كما هو مُقرَّر..
وهو هنا ( الكتاب )، وقد اعتمدنا أنه اللوح وليس القرآن.
ومع ذلك فإنَّ بعض المحققين من مدرس الجمهور في هذه المسألة رَدَّ أيضاً بكلامٍ آخـرَ أعجبني.. بقوله:
" لنا أن نُعمِلَ هنا التفسيرَ الإشاريَّ.. أو دلالةَ الإشارة - والراجح جوازها في التفسير كما تعلمون بشروطٍ معروفة من عدم مخالفة الدلالة اللغوية والشرعية ... إلخ-
المهم أنه قال: إذا كان لا يَمَسُّ اللوحَ المحفوظَ إلا المُطَهَّرون فالقرآن وهو أَجَلُّ ما يحويه اللوحُ المحفوظُ له الحكمُ نفسُهُ فلا يمسه إلا المُطَهَّرون = أي المتوضئون ... وهكذا..
طبعاً هذا التفسير بضميمة حديث عمرو بن حزم كما هو واضحٌ.
كذلك مما استدل به أهلُ الظَّاهر حَمْلُ حديث عمرو بن حزم: ( ألا يَمَسَّ القرآنَ إلَّا طاهِرٌ ) على حديث ( إنَّ المؤمن لا ينجس ).. قالوا: المؤمن طاهرٌ على كل حال؛ فيجوز بحقه مَسُّ المصحف و لو بغير وضوء ..
هــٰـــــــذا على فرض صحة الحديث؛
-لأنه عندهم لا يصحُّ- وهم مخطئون في ذلك؛ فحديث عمرو بن حزم صحيحٌ لدى المحققين .
☑️ ومع ذلك فالدين يُـسـر، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج):
فذهب الامام مالك إلى جواز مس المصحف من الصبيان بدون وضوء؛ للضرورة، وعدم احترازهم، ولمشقته عليهم.. خاصة في مداومة حفظ ومراجعة القرآن .... إلخ.
وكذلك الأمر طبعاً أي رفع الحرج لكلٍّ منا إذا كان مسُّ المصحف بحائل...
أو لديه سَلَس بول.. أو سَلَس رِيح.. ونحو ذلك.
وكذلك لغير عذر السَّلَس كأن تكون بطنه غير مستقرة لطارئ وقتيٍّ بسبب أكلة معيَّنة، أو مشاكل صحيَّة طارئة ..
فلا حرج عليه في هذا الوقت فقط أن يمسَّ المصحف بغير وضوء(( يعني لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات )) حتى ينتهي عُذرُهُ مثلاً ..
أو لكسلٍ شديدٍ يعتريه - نادراً -
= يعني يمسُّه مِن غير وضوء مرتين أو ثلاثاً وسط مائة مرة مثلاً ................
والاحتياط أن يكون المُسلمُ حريصاً على الوضوء لِمَسِّ المُصحف، فما ذكرناه آنفاً استثناء.. أما القاعدة فهي رأي الجمهور.
وقد قال ﷺ: " لا يحافظ على الوضوء الا مؤمن ".
وقال ﷺ : "الطهور شَطْرُ الإيمان" .
والله أعـــــلــــــــــــــم.