طقوس الزفاف في تونس مابين عادات الأجداد وحداثة العصر
يتميز الإحتفال بالزفاف في تونس، بأن التونسيين مازالوا يحتفظون بكثير من عاداتهم وتقاليدهم القديمة، بالرغم من تغير الحياة والظروف الإقتصادية، ويظهر ذلك في طرق الإحتفال المختلفة وفي الملابس وفي الطقوس التراثية العتيقة، كما يتنوع الإحتفال بالزفاف في ولايات تونس بمراسم إحتفالية خاصة لكل ولاية، وسنتناول باقة متنوعة من مظاهر الإحتفال بالزفاف في تونس.
طقوس التحضير للزفاف:
يقوم العريس بتجهيز كل شيء في بيت الزوجية ولا يُشترط عليه أن يحضر أشياء معينة، وإذا أرادت العروس أن تساعده في التجهيزات، فلا بأس في ذلك، وتسهم العروس في الجهاز بإحضار أدوات المطبخ والمفروشات وملابسها وعطورها.. لأن العائلات في تونس تجهز العروس منذ صغرها بإدخار الذهب، وليس بالجهاز التقليدي، وأيضاً تقوم عائلة العريس بإدخار بعض الأموال له منذ صغره لتساعده على نفقات الزواج، وفي العموم يقوم العريس بالإنفاق على كل شيء، مثل: تجهيز بيت الزوجية وجميع تكليفات الزفاف وملابس العروس وإحضار والذهب، وأحياناً يُطلب من العريس أن يحضر الذهب الأبيض والأحمر.
يستضيف بيت عائلة العروس أقاربها لمدة ١٥ يوم، وكذلك أقارب العريس يقيموا في بيت عائلته ١٥ يوم، للتحضير للزفاف (العُرس). وتبدأ العروس التونسية التحضير للزفاف قبله بشهر، فلا تقابل أحد ولا العريس ولا أسرته، ولا تتعرض لأشعة الشمس ولا تضع مساحيق التجميل على وجهها وتتفرغ فقط للتغذية الجيدة وللعناية بجمالها، حتى يوم عقد القران، لتظهر العروس بكامل أناقتها وجمالها خلال أيام الإحتفال بالزفاف، وتُسمّى هذه العادة بـ"لم السول" أي جمع الجمال. وفي "قابس" تذهب العروس للإقامة مع إحدى أقاربها أو صديقاتها قبل الزفاف بثلاث أيام، لتتعود على أن تعيش بعيداً عن أسرتها، وتعود إلى منزل العائلة في موكب مزين وبالغناء والإحتفال، وتسمى هذه العادة بـ"الهروب". وعادة أخرى وهي أن تُعطي العروس ملابسها القديمة إلى صديقاتها وأقاربها، إعتقاداً بأن ذلك يُعجل من زواجهن.
تبدأ الإحتفالات بالزفاف يوم عقد القران (الصداق) داخل المحكمة بحضور الأهل والأصدقاء، وترغب بعض الأسر في أن يأتي موظّف المحكمة إلى المنزل ليعقد القران، وترتدي العروس في عقد القران زي تقليدي أبيض وتُغطّي شعرها وأيضاً يرتدي العريس ثوب تقليدي أبيض.
تقام الإحتفالات بالزفاف لمدة أسبوع ويختلف عدد الأيام من جهة إلى أخرى في تونس فتزيد أو تقل، وتخصص ثلاث أيام من أيام الإحتفالات لحنة العروس لأن التونسيين يتفاءلوا بالحناء، لذلك لا يتخلون عن هذه العادة، وتأتي الحنانة في اليوم الأول في وجود الأهل والجيران والأصدقاء في أجواء إحتفالية بالزغاريد والأغاني وتناول الحلويات، لتُحني العروس، وفي اليوم الثاني في نفس الأجواء الإحتفالية وتقديم الأكلات التقليدية للحضور، يعاد على رسم الحناء لتأخذ لون أغمق من اليوم الذي سبقه، ويُخصص اليوم الثالث ليوم حمام العروس والذي يسمى في بعض الجهات في تونس بـ "نهار الخِلْوة"، فتذهب العروس إلى الحمام التونسي العريق في ساعات النهار للإستحمام مرتدية "السفساري" وهو زي تراثي من القطن أو الحرير تلتف به العروس، وترافقها صديقاتها وفتيات ونساء عائلتها وعائلة العريس، وفرقة الطبول الشعبية النسائية، التي تزفها من بيت العائلة إلى الحمام، وتركب العروس الحنطور المُزين، وتُزف بالأغاني الشعبية والزغاريد والتصفيق، لتصل إلى الحمام المُزين والمُعطر بالبخور، تنتظرها "المشاطة" المرأة التي ستساعدها في أخذ حمام البخار، وبعد الإنتهاء من الحمام ترتدي العروس "التّخليلة" وهو لباس تقليدي تونسي مطرز وتحته قميص أبيض.
في اليوم الرابع يذهب العريس إلى الحمام في الصباح برفقة أصدقائه وأقاربه، على نغم "المزود" (آلة موسيقية شعبية)، ليأخذ حمام البخار في أجواء إحتفالية، ثم بعد ذلك يذهب إلى مصفف الشعر، ويتم نقش الحناء له ولأصدقاءه نقوش بسيطة على الأصابع.
وفي بيت عائلة العريس، يتم ذبح شاه أو بقرة لتحضير الطعام للمدعوين، وعند عودة العريس تُقام وليمة إفطار للرّجال فقط تسمى "الحلّالية"، ويجلس على المائدة بجانب العريس من سبقوه في الزواج (الوزرا)، وتُقدم له هدايا مالية لمساعدته في نفقات الزفاف، وتسمى هذه الهدايا بـ "الرمو"، وتحتفل عائلة وأصدقاء العريس به على أنغام المزود بالغناء والرقص في هذه الليلة.
تقوم الفتيات في "بنزرت" من عائلة وأصدقاء العروس في اليوم الخامس بغسل جهاز العروس من مفروشات، وتُكوى وتُطبق وتُضع في أكياس وتزين ويوضع جهاز العروس التي أحضرته ويزين بالشرائط الستان بألوان من نفس ملابس العروس، ويعرض على الجميع ليروه، ثم ينقل إلى بيت الزوجية، وفي الساحل يخصص يوم كامل لعرض ونقل الجهاز وسط أجواء إحتفالية، ويسمى في الشمال يوم "هزان الفرش"، وفي الجنوب يوم "العطرية"، وبعض الأسر تستدعي أشخاص متخصصين في تحضيرات جهاز العرائس.
إحتفالات الزفاف:
تعتبر ليلة الحناء من ليالي الإحتفال التي تشهد بذخاً كبيراً في تونس، وهي الليلة التي تسبق ليلة الزفاف وتسمى بليلة "الوطية"، وتذهب العروس باكراً إلى مركز التّجميل لتتزين لحفلة الحناء في المساء، ويحضر العريس الحناء، ويعاد على رسم الحناء للعروس بمجموعة من الأعشاب تسمى (الحرقوس) لتكتسب الحناء اللون الأسود الغامق، وليُطيل من عمرها لحوالي شهر على أيدي العروس، وتتحنى الفتيات والنساء، في هذه الليلة، ويشعلن الشّموع لعدة دقائق، ويجيء المعازيم بالخرفان والهدايا، ومنهم من يعطي العروس النقود بين أصابعها أو حول عنقها، وبعضهم يقدم هدايا ذهب دعماً للعروسين، وتتشارك العائلة بتنظيم الحفل وتحضير الطعام والإهتمام بالحضور، وتقوم عائلات أخرى بالإستعانة بفريق متخصص لتولّي مثل هذه الأمور.
تختلف ملابس العروس في ليلة الحناء من جهة إلى أخرى، فترتدي العروس في الساحل التونسي زي ذهبي يتكون من ثوب وبنطال (سروال) فضفاض وسترة، بينما تفضّل العرائس في الجنوب إرتداء العباءات الأمازيغية المفتوحة من الجانبين ومعقودة عند الخصر، فترتدي العروس حوالي خمس أطقم من الملابس التقليدية المتنوعة، ومن الثياب التي ترتديها العروس في ليلة الحناء روبة لوطية وهو زي تقليدي عبارة عن قطعتات منفصلتان، الجزء السفلي يسمى فوطة والعلوي يسمى بلوزة، زي مطرز تطريز يدوي أحياناً يستغرق شهور في تفصيله وتطريزه وفي أحيان يُطرز بخيوط من الذهب (حسب المقدرة)، ويتوفر منه الجاهز ومنه يتم تأجيره، كما ترتدي العروس "التبديلة" التي يُلضم عليها الجوهر وجنيهات الذهب بخيوط طويلة بشكل معين، والتي تصل أحياناً إلى أرجل العروس، وترتدي العروس الحذاء الذهبي ومن الممكن أن يكون داخله ذهب (حسب المقدرة)، وهذا كان دارج أكثر في الماضي، وتختلف التبديلة في صفاقس عن مدن الساحل، فترتدي العروس الصفاكسية عقود من النقود على التبديلة في ليلة الحناء التي تسمى "النزول" وأيضاً يكون تاج العروس من النقود ويرتدي العريس عقد من النقود.
وترتدي العروس كمية كبيرة من الذهب الموروث والذي أحضره العريس، وترتدي خُلخالين في أرجلها يزن كل منهم نصف كجم من الذهب، كما ترتدي خواتم وأساور ذهب كبيرة الحجم، وتذهب العروس بكل كمية الذهب هذه إلى بيت الزوجية، وترتديه فقط في المناسبات، لأنه ثقيل وكبير الحجم، وتحتفظ به حتى زواج إبنتها لتعطيها إياه، أو زوجة إبنها إذا كانت ليس لديها إناث، وإذا كانت الحالة المادية لعائلة العروس لا تسمح بإقتناء كل كمية الذهب هذه، ففي هذه الحالة يتم إستئجار المشغولات الذهبية ( توجد أماكن مخصصة لذلك) لترتديها العروس في ليلة الحناء، ثم بعد ذلك يتم إستردادها.
ويرتدي العريس في ليلة الحناء الجبة وهو زي تقليدي من الحرير أو الكتان، عبارة عن عباءة فضفاضة تُلبس على قميص وبنطال فضفاض (سروال)، ويتم تزيينها بالتطريز الممتد على العنق والصدر والأكمام، ويختلف التطريز، ولونه، وموقعه على الجبة حسب الجهات في تونس.
تبدأ مراسم ليلة الزفاف (المرواح) بدخول العروسين إلى قاعة الحفل، وتختلف ملابس العروسين بين الشمال والجنوب، حيث ترتدي العروس ملابس الزفاف العصرية وهو الثوب الأبيض، والعريس البدلة، بينما ترتدي العروس في الجنوب "الحولي العربي" وهو لباس تقليدي تونسي يكون في الغالب أحمر اللون ويرتدي العريس الملابس التقليدية، وتتزين العروس بالذهب، ويحتفل بهم الحضور وسط أجواء الفرح والسعادة ويرقصون ويغنّون ويتناولون العشاء التونسي التقليدي، ومن أشهر الأطباق التي تقدم في الأفراح: الكسكسي باللحم الضأن، والبقلاوة، وكعك الورق، والمقروض، والصمصة. وتنتهي مراسم الزفاف بذهاب العروسين في أخر الحفل إلى بيت الزوجية. وفي "مدنين" لن تذهب العروس إلى بيت الزوجية إلا بضفر شعرها جدائل، وتزينه بأشرطة ملونة من الحرير، وبالرغم من تذمر العرائس من تلك العادة، إلا أن الأمهات متمسكات بها تمسكاً شديداً لإعتقادهن بأن ضفر الشعر يجلب الحظ السعيد للعروس. وفي الساحل يتم تلوين بيضة بالحناء لتصبح خضراء، وتقوم العروس بكسرها على واجهة منزل الزوجية قبل دخولها ليلة الزفاف، إعتقاداً أن في ذلك خيراً واستبشاراً بحياة سعيدة.
طقوس واحتفالات ما بعد الزفاف:
لم تقتصر الإحتفالات والطقوس بأيام ما قبل ويوم الزقاف فقط، بل تمتد إلى ما بعد الزفاف، ففي الجنوب تدق العروس مسماراً كبيراً أمام بيت زوجها في صباح يوم الزفاف إلى أن يواري التراب، وذلك إيماناً منهم بأنها ستبقى في ذاك المنزل كالمسمار، ويعنون بذلك إبعادها عن الطلاق أو الخلافات مع زوجها وأهله.
وفي يوم "الصباحية" تذهب والدة العروس إليها بصينية "البقلاوة"، وفي اليوم الثاني يأتوا الأقارب لزيارة العروس ومعهم بعض الأكلات، وفي اليوم الثالث ترتدي العروس الفستان الأبيض المخصص لهذا اليوم، ويأتي الزوار بسمكتين أو ثلاث سمكات كبار الحجم، فهو يوم مخصص لتناول السمك، ومن العادات المميزة في ولاية "صفاقس" عادة أن تُخطي العروس على سمكة كبيرة الحجم من نوع "المناني"، وتسمى هذه العادة بـ "تنقيزة الحوت"، فيتم وضع السمكة في صحن مزين بالورود، أو بالشرائط الستان، ويوضع على الأرض وتقوم العروس بأن تُخطي فوقه سبع مرات إعتقاداً بأن السمكة ترمز للرزق والخصوبة للعروس، وأثناء قيام العروس بهذا الطقس تغني النساء أغنية تقليدية "نقز على الحوت".
وفي مدينة "بنزرت" شمال تونس لا تختلف هذه العادة كثيراً، إذ تُربط السمكة حول ساق العروس بشريط وتلف بها في البيت، ثم تُخطي فوقها سبع مرات، إعتقاداً منهم بأن ذلك يجلب الرزق، ثم بعد ذلك تُطبخ هذه السمكة ويأكل منها الجميع، ثم بعد ذلك يحضروا سبت مليء بالحلوى والنقود ويُنزل ما به على رأس العروس لتكون العروس مُرزقة، ويأكل الأطفال هذه الحلوى.