الإسراء والمعراج،،، بين التكليف والتبليغ
يقول الشيخ عبدالرحمن اللاوي الأمين العام لفرع المنظمة بسوهاج :حينما يدعو إنسان لدعوة ما أو فكرة جديدة لا شك أنه يسعده ويسره كثرة الأتباع والمؤيدين له واقتناعهم بما يدعوهم إليه وليس ذلك فحسب بل يستمر سعيه الدؤوب إلى تأكيد دعوته أو فكرته في عقولهم وقلوبهم من حين لآخر من خلال ما يقدمه ويعرضه من حيثيات ودلائل وبراهين تؤكد دعوته في قناعاتهم! حريصا ألا يعرض نفسه ودعوته أو فكرته للشك والاتهام . إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل تكذيب قومه له ،واتهامهم له بالشعر ،والسحر ،والجنون -منذ دعوته صلى الله عليه وسلم لهم بالإسلام وكانوا من قبل يلقبونه بالصادق الأمين.وفي وقت كان عدد المصدقين أقل بكثير من عدد المكذبين بل لا يقارن عدد هؤلاء بعدد هؤلاء يخبرهم صلى الله عليه وسلم بمعجزة الإسراء والمعراج .
وإنسان في ظل التكذيب ،والقاء التهم ،وقلة الأتباع والمؤيدين وكثرة المكذبين والأعداء هو أحوج ما يكون لجذب الناس لاتباعه وتأييده بعدم إثارة أمور تجعل الكثير من أتباعه يرتدون عنه بل ويزيد المكذبون في تكذيبهم له والقاء التهم به.
و إخباره صلى الله عليه وسلم قومه بمعجزة الإسراء والمعراج في معاناته مع قومه دليل على أن الدعوة التي يدعو لها ليست دعوةً من تلقاءِ نفسه بل هي تكليفٌ من المولى العلي القدير. وما دامت دعوته صلى الله عليه وسلم تكليفاً فهو لا يعبأ بقلةِ أو كثرةِ الأتباع والمؤيدين ،أو تكذيب الأعداء والمغرضين بقدر ما يعبأ بتبليغ تكليف ربه له مستجيبا لنداء ربه : "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..."
وعرضه صلى الله عليه وسلم لمعجزة الإسراء والمعراج في ذلك الوقت العصيب من تاريخ الدعوة يؤكد ما لقبه به قومه في الجاهلية من صدق وأمانه. فلو أن إنساناً تعرض للتكذيب والتهم في أمر ما. ما استطاع أن يخبر الناس بكلام" يقوي التكذيب بل ويصيب الأتباع بالتردد" خوفاً من تبعات من ذلك.
ومما يؤكد صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم في التلبيغ. أنه لم يخش تبعات هذا الأمر، لأن الأمر ليس من صنعه، ولا من تدبيره ولا من قدرته ،بل هو من صنع وقدرة الله العلي القدير. ومن اعتقد أن الله على كل شئ قدير فلا يستعظم معجزة على نبي لأن المعجزة تدبير إلهي لا دخل للبشر فيه .
ورحم الله أمير الشعراء إذ يقول :
مَشيئَةُ الخالِقِ البارى وَصَنعَتُهُ ** وَقُدرَةُ اللَهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ.
إذن كبف لعاقل أن يكذب إنساناً عاش بين قومه صادقاً أميناً و شهد له اعداؤه بذلك حتى بعد البعثة ممن عاصروه وعاشوا معه، ولا شك أن لشهادة الأعداء وزنها . ولله در القائل : والفضل ما شهدت به الأعداء.
فهذا ابوجهل وهو من أكثر الناس عداوة و كُرْهًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق.
فحينما سأله الأخنسُ بن شُريق يومَ بدر: يا أبا الحكم، أَخْبِرْنِي عن محمد؛ أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش أحدٌ غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبو جهل: ويحك! والله إن محمدًا لصادقٌ، وما كذب محمدٌ قطُّ، ولكن إذا ذهبتْ بنو قُصَيٍّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟»
وشهادة أبي سفيان-قبل إسلامه- في الحوار الذي دار بينه وبين هرقل عظيم الروم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من بين هذا الحوار سؤال وجهه هرقل لأبي سفيان قائلا : «.. فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال أبوسفيان: لا..»، وفي آخر الحوار يقول هرقل لأبي سفيان: «وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى» .
وهذا النضر بن الحارث كان من ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي خطابًا على جمع من قريش فيقول: «يا معشر قريش، إنه واللهِ قد نزل بكم أمر ما أتيتم به بحيلة بعد، كان محمد فيكم غلامًا حدثًا، أرضاكم خلقًا، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاء بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا واللهِ ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا واللهِ ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا واللهِ ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها، هَزَجَهُ وَرَجَزَهُ، وَقُلْتُمْ مَجْنُونٌ، لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، وَلَا تَخْلِيطِهِ، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه واللهِ قد نزل بكم أمرعظيم»
ولقد سجل رب العالمين ذلك في كتابه فقال تعالى : فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام 33)
إذن ما ذلك إلا مرض قلبي وحسد نفسي من الذين لقبوه هم بأنفسهم الصادق الأمين!
أما من سلم قلبه،واطمأنت نفسه وهو سيدنا أبوبكر رضي الله عنه وأرضاه فيشير بإيمانه إلى عظيم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
حينما قالوا له : هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أوقال ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : أوتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة.
لذلك يقول رسول صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر : إنَّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت. في أول الأمر، وقال أبو بكر: صدقت. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟! فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟! فما أوذي بعدها.
فما أعظمك يا سيدي يا رسول من نبي ورسول! اتفقت فيه شهادات الأعداء والأصحاب
صدقاً وأمانةً.