القاضي في الإسلام
القاضي في الإسلام شخص ولي القضاء ليحكم بين المتنازعين وفقا للشريعة الإسلامية. كما يقوم بوظائف مرتبطة بمهمته مثل الوساطة وولاية الأطفال الأحداث واليتامى وغيرها.
والقضاء من عمل الرسل ورسول الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب الرسالة الخاتمة والدائمة كما كان مأمورا بالدعوة والتبليغ كان مأمورا بالحكم والفصل في الخصومات .
وقد ورد في القرآن الكريم في غير ما أية ما يشير إلى ذلك، منها قوله تعالى: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة:48]
وتدل علي مشروعية القضاء أحاديث كثيرة منها ما رواه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ).
وحكمه فرض كفاية بإجماع العلماء وللقاضي دور كبير في إتخاذ القرارات ولاجل اهميته تلك أحاط الخلفاء الراشدون ورؤساء الدولة الإسلامية القضاء بكل مظاهر الإجلال والتكريم، وصانوه عن التدخل ضمانا للحق وإرساء للعدل فلم يسعوا إلى تحويل الأحكام لصالحهم، أو لصالح من يحبون، وانما امتثلوا لأحكام القضاء بالاحترام والتنفيذ فكانوا يقبلون الأحكام الصادرة ضدهم راضين وينفذونها طائعين.
ومن أشهر قضاة المسلمين شريح بن الحارث وله قصص واحاديث كثيرة .
مع ازدياد النمو السكاني، ازداد معه متطلبات الناس واحتياجاتهم، الأمر الذي أدى إلى فشو المعاملات المالية بكافة أشكالها مما أدى إلى ظهور صراعات ونزاعات بين بعض الأفراد في المجتمع، وذلك نتيجة الطمع والجشع وحظوظ النفس، مع الوقت ازدادت تلك الصراعات والخلافات من أجل مصالح دنيوية، وبالتالي دعت الحاجة إلى منظومة قادرة على الحد من تلك الخلافات ورد اعتداء الظالم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فوضع الإسلام منظومة القضاء استجابةً، والتي أنشائها النبي محمد والذي كان أول قاضٍ في الإسلام، ثم قام بعد ذلك نتيجة توسع الدولة بتعيين الصحابة لتولي مهمة القضاء.
توسعت الدولة الإسلامية توسعاً كبيراً خلال القرون الأولى من الهجرة، ونظرًا لتداخل الأجناس والأعراق المتباينة داخل الحضارة الإسلامية، الأمر الذي تطلب وجود مؤسسة قضاء ثابتة، لها ما يميزها وما ينظمها داخل الدولة الإسلامية، ومن ثم بدأت هذه المؤسسة في التشكل والظهور منذ عهد النبي.
القضاء في عصر النبي والخلفاء
فقد كان الرسول هو الذي يتولى الفصل في المنازعات، ومن بعده كان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرون القضاء بأنفسهم، وعندما اتسعت الدولة الإسلامية، واختلط المسلمون بغيرهم، وكثرت مهام الخليفة؛ تم تعيين قضاة مستقلين ينوبون عن الخليفة في الفصل بين الخصومات، وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب؛ «فولي أبا الدرداء معه بالمدينة، وولي شريحاً بالبصرة، وولي أبا موسى الأشعري بالكوفة، وكتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاة».
القضاء في العصر الأموي
وما أن أطل العهد الأموي، حتى استجدت على مؤسسة القضاء مستجدات مهمة؛ حيث تخلى خلفاء بني أمية عن ممارسة القضاء، كما كان في العهدين النبوي والراشدي، فسعوا إلى الفصل بين السلطات، إلا في ثلاثة أشياء أبقاها الأمويون؛ وهي: تعيين القضاة بطريقة مباشرة في عاصمة الخلافة دمشق، والإشراف على أعمال القضاة وأحكامهم ومتابعة شئونهم الخاصة في التعيين والعزل، والإشراف على التزام القضاة بالسلوك القضائي القويم، ثم ممارسة الخلفاء الأمويين لقضاء المظالم، وقضاء الحسبة، وقد أولى خلفاء بني أمية أهمية خاصة، ورعاية كاملة لقضاء المظالم، وحتى أصبح له جهاز كامل ومستقل.
القضاء في العصر العباسي
وأما في العهد العباسي فقد بلغ التنظيم الإداري للقضاء غايته القصوى، وظهرت فيه تنظيمات كثيرة، وتنبه الخلفاء العباسيون لأهمية القضاء منذ قيام دولتهم، فأصلحوا ما اعتراه من ضعف وتراخ في آخر الخلافة الأموية، ولقد كان الخليفة أبو جعفر المنصور - الذي يُعد المؤسس الحقيقي للخلافة العباسية - يرى أن القاضي إحدى الدعائم الأربع التي لا تصلح الدولة إلا بهم.
ومع كثرة ولايات الخلافة؛ فقد صار تعيين قضاة الأمصار تبعًا لما يراه ولاة هذه الأمصار، إلا أن هناك منصبًا قد استجد في ظل الخلافة العباسية، قد تمثل في تعيين قاضٍ للقضاة، فمع كونه قاضي العاصمة بغداد، إلا أن الخلافة قد أعطت له الحق في تعيين قضاة الأمصار، ومتابعتهم ومراقبتهم والإشراف عليهم وعزلهم؛ ولذلك بلغت مؤسسة القضاء ذروة الاستقلالية التامة في ظل الخلافة العباسية، وأول من كان له الحق في تعيين قضاة الأمصار ومتابعتهم في الخلافة العباسية القاضي أبو يوسف، قاضي الخليفة العباسي هارون الرشيد ووزيره، حيث كان له الحق في تعيين قضاة كل من العراق وخراسان ومصر والشام.
ونتيجة لتوسع مؤسسة القضاء؛ فقد وظفت الخلافة العباسية أعوانا للقاضي - قاضي القضاة وقضاة الأقاليم. يُساعدونه في إتمام القضاء، والفصل في الدعاوى على أحسن وجه، وهم: نائب القاضي، وهو من ينيبه القاضي عنه ليقوم بالقضاء في المدن والقرى، أو يحل محله إذا غاب. وكاتب القاضي أو كاتب المحكمة، وهو الذي يدون أقوال الطرفين والشهود والقاضي، ويرتب القضايا على حسب حضور الخصوم، ويعرضها على القاضي بانتظام، وعدم محاباة إلا لمسافر أو معذور.
والمنادي، وهو الذي يقوم على رأس القاضي لبيان مكانته، والمناداة على الخصوم. والحاجب، وكان من أفراد الشرطة والحرس، ويقوم بالمساهمة في تنظيم أعمال القاضي، والمحافظة على النظام، وترتيب الخصوم، من حيث جلوس الرجال في ناحية، والنساء في ناحية أخرى.
وصاحب المسائل، وقد استجدت هذه الوظيفة في العصر العباسي، وكان الغرض منها تولية التحقيق في المسائل التي يعهد بها القاضي إليه، وأول من استعمله القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، صاحب أبي حنيفة، وقد ذكر الكندي أن المفضل بن فضالة الذي تولى القضاء بمصر سنة (174 هـ) جعل صاحب مسائل؛ ليسأل عن الشهود، أي التعرف على مدى عدالة هؤلاء الشهود أو جرحهم. والقسام، وهو الذي يتولى قسمة الحقوق بين أصحابها، ويضع الحدود بينهم في العقارات، وكان يسمى بالحساب، وقد بين الماوردي صفاته وشروطه.
والأمناء، وهم الأشخاص الذين يكلفهم القضاة ببعض الأعمال المهمة؛ مثل: حفظ أموال اليتامى والقاصرين وناقصي الأهلية والغائبين، وحفظ التركات حتى يتم قسمتها بين الورثة، وكان القاضي سوار بن عبد الله أول من أدخل الأمناء، وأناط بهم محافظة الأموال. وخازن ديوان الحكم، وهو الذي يحفظ أوراق القاضي والوثائق والسجلات والودائع في مكان مخصص، وأضيف إلى هؤلاء الترجمان، وكانت وظيفته ترجمة ما يقوله المدعون أو الخصوم الناطقون بغير اللسان العربي، وقد كثرت هذه الوظيفة في العصر العباسي؛ نتيجة لكثرة الشعوب التي انضوت تحت مظلة الإسلام والخلافة الإسلامية.
وأما مظاهر إجراء المحاكمة وطرق انعقادها فكثيرة ومتنوعة في الحضارة الإسلامية، حيث كان هناك المراسم التي كان بموجبها يتم استدعاء الخصوم أمام القاضي، فقد كان في الأندلس نظام مبتكر يسير عليه القضاة، هو نظام "الطابع"؛ وهي ورقة عليها توقيع القاضي وخاتمة، يتم من خلالها استدعاء الخصوم، لا فرق بين أمير أو مأمور في هذا الاستدعاء.
القضاء في الدولة العثمانية
مع قيام الدولة العثمانية أصبح للقضاء شأن مهم فيها، ذلك ان الدولة العثمانية قامت على أسس إسلامية أيضا، وأصبح للقضاة الذين عرفوا بفئة(العلماء) مكانة مهمة في
[ تعريف القضاء
أولاً: القضاء لغة: القضاء هي مصدرها في اللغة الفعل قضى، وله معانٍ متعددة منها:
الحكم: قضى قضاء، أي حكم حكماً، ومنه قول الله تعالى:﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾، أي حكم بذلك.
الإحكام والإنفاذ: قال ابن فارس: القاف والضاد والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته، ولذلك سمي القاضي قاضيًا؛ لأنه يُحكِمُ الأحكام، ويُنفِّذها.
الفراغ والانتهاء من الشيء: يقال: قضى حاجته إذا فرغ منها، ومن ذلك قول الله تعالى:﴿فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ﴾، أي قتله وفرغ من قتله.
الأداء والإنهاء: تقول قضيت ديني إذا أديته وفرغت منه، قال تعالى:﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾، أي أنهينا إلى عِلمه، وأدينا له بحتمية استئصال آخر هؤلاء القوم في الصباح.
الصنع والتقدير: يقال: قضى عمله في ساعة أي أنهاه فيها، يقول الله تعالى:﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَاتٍۢ فِى يَوْمَيْنِ﴾، أي صنعهن وقدرهن.
ثانياً: القضاء اصطلاحاً:
عرفه الحنفية بأنه: فصل الخصومات وقطع المنازعات على وجه مخصوص.
وعرفه المالكية بأنه: الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام.
وعرفه الشافعية بأنه: الحكم بين الناس، أو الإلزام بحكم الشرع.
وعرفه الحنابلة بأنه: تبيين الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الخصومات.
وعرف ابن خلدون منصب القضاء بأنه: منصب الفصل بين الناس في الخصومات، حسمًا للتداعي، وقطعًا للتنازع، بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة.
ويتفق الفقهاء في الإسلام على أن الذي يملك ولاية تقليد القضاء هو الإِمام؛ لأن هذه الولاية من المصالح العامة التي يختص بها الإِمام بعموم ولايته؛ إذ هو المستخلف على الأمة والقائم بأمرها والمتكلم بمصلحتها والمسئول عنها، ولا يجوز الافتيات عليه في ذلك، ولا خلاف أن ذلك متعين عليه عند الحاجة وله أن ينيب غيره في ذلك، وله أن يتولاه بنفسه كما كان يفعل الرسول. قال الإِمام أحمد: «لا بد للناس من حاكم (قاض) أتذهب حقوق الناس؟»[23][29]، وقال ابن تيمية: «يجب على الإِمام أن ينصب حاكمًا (قاضيًا) عند الحاجة والمصلحة إذا لم تصل الحقوق إلى مستحقيها، أو لم يتم فعل الواجب وترك المحرم إلا به، وقد يستغنى عنه الإِمام إذا أمكنه مباشرة الحكم بنفسه، ولهذا كان النبي ﷺ يباشر الحكم، واستيفاء الحساب بنفسه، وفيما بعد عنه يولى من يقوم بالأمر، ولما كثرت الرعية على عهد أبى بكر وعمر والخلفاء استعملوا القضاة».