18:10 | 23 يوليو 2019

حين يتعب المعنى ويقف الانسان وجها لوجه مع نفسه

11:10pm 16/12/25
نشأت البسيوني

في مرحلة ما من عمر الانسان يهدأ الصخب من حوله دون ان يختفي وتخف حدة الاصوات التي كانت تملأ الرأس ويصبح السؤال اوضح من الاجابة ويقف الانسان امام نفسه وقفة لا هروب فيها ولا تبرير وقفة تشبه المرآة الصافية التي لا تجامل ولا تجرح لكنها تكشف ما كان مخفيا تحت طبقات العادة والانشغال تلك الوقفة لا تأتي فجأة بل تتشكل عبر تراكم الايام وعبر محاولات الفهم التي لم 

 

تكتمل وعبر خيبات صغيرة صنعت وعيا اكبر من الضجيج في هذه اللحظة يدرك الانسان ان رحلته لم تكن بحثا عن الوصول فقط بل عن الاطمئنان وان الركض الدائم كان محاولة لملء فراغ داخلي اكثر منه سعيا نحو هدف واضح وحين يتعب المعنى يشعر بثقل الكلمات التي كان يرددها تلقائيا ويكتشف ان كثيرا مما عاش من اجله لم يكن نابعا من اختياره بل من توقعات الاخرين ومن صور مرسومة 

 

سلفا عن النجاح والحياة تبدأ المواجهة الحقيقية حين يعترف الانسان بما خسره وبما كسبه دون قسوة ودون تبرئة يراجع صمته حين كان الكلام ضروريا واندفاعه حين كان التروي اولى ويفهم انه لم يكن ضعيفا بل انسانا يحاول النجاة وسط عالم سريع لا يمنح فرصة كافية للفهم العميق تتغير زاوية النظر الى الاشياء فالكبير يفقد بعض بريقه والصغير يكتسب قيمة لم تكن مرئية ويكتشف 

 

الانسان ان الطمأنينة قد تكون في بساطة لحظة صادقة وان الاحترام الحقيقي للنفس اهم من اي تصفيق عابر وان النجاح لا يقاس دائما بما يظهر للناس بل بما يستقر في القلب عند نهاية اليوم ومع هذا التحول الداخلي تتبدل نظرته للناس فيرى ضعفهم قبل قوتهم وحيرتهم قبل احكامهم ويفهم ان كل انسان يحمل صراعا خفيا وان القسوة كثيرا ما تكون درعا للخوف وان الطيبة الحقيقية 

 

شجاعة نادرة لا يقدر عليها الجميع فيتعلم التعاطف دون ان يفقد حدوده والفهم دون ان يبرر الخطأ يتعلم الانسان ايضا ان البطء ليس تأخرا وان التوقف احيانا ضرورة وان اعادة ترتيب الطريق لا تعني الفشل بل النضج وان الحياة ليست سباقا مستمرا بل مسارا طويلا تتغير فيه السرعات وتتبدل فيه الاولويات ومع كل تبدل يصبح الاختيار اكثر هدوءا والقرار اكثر وعيا لا يعود ساعيا لارضاء 

 

الجميع ولا منخرطا في معارك لا تشبهه ولا مرهقا نفسه في تفسير وجوده يكفيه انه يعرف لماذا يعيش وكيف يكمل الطريق حتى لو تغيرت الصورة عما حلم به في البداية وحتى لو كان الطريق اهدأ مما توقع وحين يلتفت الى الماضي لا يجلده ولا يمجده بل يتقبله كجزء من تكوينه كفصول اكتملت بدروسها واخفاقاتها ويفهم ان القوة ليست في عدم السقوط بل في القدرة على النهوض دون 

 

فقدان الانسانية ودون ان يتحول الالم الى قسوة المجتمع في حاجة الى هذا الوعي الهادئ و الى انسان تصالح مع نفسه قبل ان يطالب بتغيير غيره انسان يدرك ان الاصلاح يبدأ من الداخل وان السلام مع الذات ينعكس على كل ما حوله وان المعنى حين يتعب لا يموت بل يعاد تشكيله بشكل انضج واكثر صدقا حين يتعب المعنى لا تكون تلك علامة نهاية بل اشارة بداية جديدة اقل صخبا واكثر 

 

عمقا بداية يمشي فيها الانسان بخطوات ثابتة لا ليثبت شيئا ولا ليبرر شيئا بل ليعيش بسلام مع نفسه ومع اختياراته ومع ما تبقى من الطريق مكتشفا ان اعظم انتصار يمكن ان يحققه هو ان يظل انسان

ا رغم كل ما مر به

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum