هدوء ما بعد العاصفة
ليس كل سكون راحة فبعض الهدوء يأتي بعد حرب طويلة في القلب
هناك لحظة في عمر كل إنسان تنتهي فيها العاصفة التي ظلت تقتلع روحه زمنا
وتنحسر الغيوم التي حجبت عنه الطريق
فيجد نفسه واقفا بين أنقاض كثيرة لكن بقلب ما زال ينبض
وقوة لم يكن يدرك أنه يملكها
تلك اللحظة تسمى هدوء ما بعد العاصفة
الوقت الذي تصمت فيه الأصوات في داخلك
ويبدأ كل شيء في العودة ببطء إلى معناه الحقيقي
ما أقسى العواصف التي تمر بنا
تأخذ منا أشخاصا وأحلاما وقطعا صغيرة من قلوبنا
تجعلنا نرى الحياة بعين لم تعد تثق كما كانت
لكنها في المقابل تعيد إلينا وعينا بأن البقاء نفسه انتصار
فمن ينجو من عاصفة داخلية لا يعود كما كان
يصبح أكثر هدوءا أكثر صمتا وأقل انبهارا بما حوله
كأنه أدرك أن العاصفة لم تكن لتدمره بل لتغسل منه ما لم يكن نقيا
في هدوء ما بعد العاصفة تتغير أشياء كثيرة
يصبح الصمت صديقا والليل مأوى والوحدة طوق نجاة
تفهم أن الطمأنينة لا تأتي من الخارج بل من ترتيبك لروحك من الداخل
تبدأ تسمع نبضك كأنه موسيقى بطيئة تذكرك أنك ما زلت حيا
وأن كل ما فقدته لم يكن قدرك بل درسك
العاصفة تربي فيك نضجا لا تمنحه الأيام الهادئة
تجعلك تعرف من الذي ظل إلى جانبك حين اهتز كل شيء
ومن الذي غادر حين احتجت كلمة واحدة لتصمد
تعرفك على نفسك حين سقطت أقنعتك ووقفت وجها لوجه أمام حقيقتك العارية
ومن يعرف نفسه بعد العاصفة لا يخاف بعدها من شيء
وحين يهدأ كل شيء تكتشف أنك لست مضطرا لأن تبرر وجعك
ولا لأن تشرح حجم الخسائر التي نجوت منها
يكفي أنك ما زلت تمشي ولو بخطوات بطيئة
أنك صرت أكثر رقة في الحديث وأقل اندفاعا في الغضب
أنك صرت تحب الهدوء لا لأنه سهل بل لأنه يشبه السلام الذي بحثت عنه طويلا
هدوء ما بعد العاصفة ليس فرحا بل اتزانا
ليس انتصارا على الآخرين بل على نفسك التي كادت تستسلم
هو تلك اللحظة التي تدرك فيها أن الصبر لم يذهب سدى
وأن الله في صمته عن وجعك كان يهيئ لك سكينة لا تشبه شيئا
في هذا الهدوء ترى الأشياء بوضوح غريب
الوجوه التي غابت لم تكن لتبقى
الأحلام التي سقطت لم تكن لك
والأيام التي نزفت منك كانت لتعلمك فقط كيف تحب الحياة دون أن تتعلق بها
ثم تمشي
تمشي فوق أرض جديدة في داخلك
أكثر اتساعا أكثر نقاء وأكثر صدقا
تمشي دون خوف من عاصفة أخرى
لأنك أدركت أن من نجا من الأولى
لن تكسره الثانية
فهدوء ما بعد العاصفة ليس استراحة
بل ولادة ثانية
ولادة لإنسان لم يعد يركض خلف الضجيج
بل خلف السلام


















