هل لا يزال مخطط الشرق الأوسط الكبير قائمًا حتى اليوم؟
 
                        منذ مطلع الألفية الجديدة، ترددت كثيرًا مصطلحات مثل “الشرق الأوسط الجديد” و”الشرق الأوسط الكبير”، وهي عناوين لمشروعات غامضة ارتبطت في أذهان الشعوب العربية بإعادة رسم خريطة المنطقة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. ومع مرور السنوات، يتساءل الكثيرون: هل انتهى هذا المخطط أم أنه لا يزال يتحرك في الظل؟
الحقيقة أن ملامح هذا المشروع لم تختفِ تمامًا، بل تبدلت أدواته وأشكاله. فبعد أن كان الحديث قديمًا عن تقسيم دول أو إسقاط أنظمة، أصبح التركيز الآن على التأثير من الداخل عبر الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا، واستخدام النفوذ الناعم بدلًا من التدخل المباشر. دول كثيرة في المنطقة شهدت تحولات داخلية حادة، بعضها تحت رايات الحرية والإصلاح، وبعضها الآخر بواجهات اقتصادية واستثمارية، لكن النتيجة كانت واحدة: إعادة ترتيب موازين القوى بما يخدم مصالح كبرى تمتد من واشنطن إلى تل أبيب مرورًا بعواصم أوروبية وآسيوية.
ما يجعل هذا المخطط حاضرًا حتى الآن هو أن الصراعات لم تتوقف، بل تغيّرت مواقعها وأشكالها. فبدلًا من حروب الدبابات، أصبحت الحروب بالعملات والمعلومات، وبدلًا من الاحتلال العسكري، أصبح النفوذ عبر الشركات العابرة للقارات ومنصات الإعلام الحديثة. حتى خرائط التحالفات تتبدل كل فترة لتعيد رسم الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالح من يملكون القرار العالمي.
لكن في المقابل، لم تعد الشعوب كما كانت. أصبح الوعي السياسي والاجتماعي أكثر نضجًا، وأصبح للمواطن العربي قدرة أكبر على فهم ما يدور حوله. فالمخططات مهما بلغت قوتها، تصطدم دائمًا بعامل واحد لا يمكن التحكم فيه: إرادة الشعوب حين تستيقظ.
إذن، يمكن القول إن مخطط الشرق الأوسط لم يُدفن بعد، لكنه تغيّر في شكله وأدواته، وبقي هدفه القديم كما هو — السيطرة على الموارد والموقع، والتحكم في القرار. ومع ذلك، فإن بقاء هذا المخطط مرهون بمدى قدرة الدول العربية على التماسك والوعي بوحدة مصيرها، لأن التاريخ علمنا أن من لا يصنع مستقبله بيده، يصنعه الآخرون له.
 

















					


