18:10 | 23 يوليو 2019

سيمون.. رسالة سلام من القلب: الإيمان بالإنسان قبل الحكم عليه

11:18am 29/10/25
سيمون
عمر ماهر

في زمنٍ تتسارع فيه الأحكام وتتعالى الأصوات باسم الحقيقة، تطل الفنانة سيمون بكلماتها الهادئة لتعيد إلى المشهد صوت الحكمة النادرة، ذلك الصوت الذي لا يعلو ليتباهى، بل يهمس ليدعو إلى التفكير. حديثها الأخير الذي تناولت فيه فكرة المواقف الصعبة، العامة منها والشخصية، لم يكن مجرد تعليق عابر على مواقع التواصل، بل أقرب إلى تأمل إنساني عميق في طبيعة النفس والعلاقات وحدود الحكم على الآخرين.

 

تبدأ سيمون حديثها بقولها: "كل إنسان يعمل ما يستطيعه بقدر ما يستطيعه"، وهي عبارة تبدو بسيطة، لكنها تختصر فلسفة كاملة في التعامل مع الذات. فالفنانة تؤكد أن الكمال ليس هو الهدف، بل السعي الصادق ضمن حدود الإمكان. في كلماتها دعوة إلى تقبّل الضعف الإنساني باعتباره جزءًا من الجمال، وإقرار بأننا لسنا ملائكة نمشي على الأرض، بل بشر نحاول، نسقط وننهض. هنا تكمن الإنسانية في أبهى صورها: أن تبذل ما تستطيع دون أن تظلم نفسك بمقاييس مثالية لا يقدر عليها أحد.

 

ثم تقول: "والأهم ألا يُنظّر أحد على أحد". في هذه الجملة تختصر سيمون نقدها لأحد أبرز أمراض العصر: التنظير الفارغ. كم من الناس اليوم يملكون آراء جاهزة في كل شيء، دون أن يعيشوا التجربة أو يتحملوا مسؤولية الكلمة؟ التنظير، كما تشير سيمون، ليس فقط نوعًا من الغرور، بل هو شكل من أشكال الهروب من مواجهة الذات. فحين يعجز البعض عن إصلاح حياتهم، يلجأون إلى تصحيح حياة الآخرين. هنا تضع سيمون إصبعها على جرحٍ مجتمعي عميق، وتقول بلطفٍ حازم إن الحكمة لا تُقاس بعدد الكلمات، بل بصدق التجربة وبالقدرة على الإنصات.

 

أما حين تقول: "الأهم أن ينظر كل إنسان بنفسه لنفسه وعلاقته مع الله بما يناسبه"، فهي تضع حجر الأساس لفكرٍ روحي راقٍ يقوم على الحرية الفردية في الإيمان والسلوك. لا أحد يعرف قلب الآخر، ولا أحد يملك الحق في قياس عمق علاقته بالخالق. فالعلاقة بين الإنسان وربه تجربة شخصية تتشكل في الصمت، في المواقف، في الاختيارات الصغيرة التي لا يراها أحد. سيمون هنا لا تتحدث عن عقيدة، بل عن ضمير حيّ يدرك أن الخالق أقرب إلى القلوب من الأحكام. إنها دعوة إلى احترام خصوصية الإيمان، وإلى أن نكفّ عن محاكمة الناس على طريقة فهمهم للخير أو الطريق الذي اختاروه نحو النور.

 

وحين تختم بقولها: "لذلك تراني لا أتدخل ولا أعطي آراء عامة، هكذا تربيت وتعلمت". تظهر الصورة الكاملة لفلسفتها الإنسانية. فهي لا تنسحب من العالم، بل ترفض أن تلوث صوتها بالضجيج. إنها تذكّرنا أن الصمت في زمن الفوضى موقفٌ لا يقل شجاعة عن الكلام، وأن التربية الحقيقية لا تُقاس بعدد المواعظ بل بقدرة الإنسان على ضبط لسانه وحفظ قلبه من القسوة. تلك الجملة تختصر خبرة حياة لا تخص فنانة فحسب، بل إنسانة مرّت بتجاربها، ففهمت أن النُبل ليس في أن تُظهر رأيك، بل في أن تعرف متى تصمت احترامًا للآخرين.

 

في جوهر كلمات سيمون يمكن أن نلمس تصالحًا نادرًا بين الروح والعقل. فهي لا ترفض التعبير ولا تتعالى عليه، بل تمنحه بُعدًا من النُضج يجعل الكلمة مسؤولة. لا تتحدث لتكسب إعجابًا، بل لتدعو إلى تفكيرٍ أعمق في معنى الإنسانية. حديثها أقرب إلى تأملات هادئة تُعيد التوازن بين الصخب الخارجي والسكينة الداخلية، وبين الحاجة إلى التواصل والخوف من أن يتحول هذا التواصل إلى سلاح ضد بعضنا البعض.

 

ما تفعله سيمون في كلماتها هو إحياء لقيمة الضمير في زمن امتلأ بالصور والآراء السطحية. فهي تذكّرنا أن الإنسان ليس بما يظهر، بل بما يخفى في قلبه من نية طيبة، وأن الطريق نحو السلام يبدأ من الداخل، لا من الجدل ولا من المقارنة. في هذا المعنى، تتحول كلماتها إلى درسٍ في التواضع، وتأكيد على أن الله وحده هو الذي يعلم خفايا النفوس، وأن مهمتنا ليست الحكم بل الفهم، لا الإدانة بل التعاطف.

 

وهكذا تبدو سيمون اليوم كصوتٍ إنساني رفيع في زمنٍ يفتقر إلى التوازن. فنانة حملت رسالتها الفنية والإنسانية بصدق، وتُصرّ أن تبقى حرة الفكر، راقية الحضور، بعيدة عن صخب الآراء ودوامات الجدل. إن كلماتها ليست مجرد رأي على منصة، بل هي موقف حياة نابع من وعيٍ عميق بأن الإنسان الذي يعرف نفسه لا يحتاج إلى أن يفرضها على الآخرين.

 

في النهاية، تذكّرنا سيمون — دون أن تقصد — أن أجمل ما يمكن أن يفعله الإنسان هو أن يظل صادقًا مع ذاته، متصالحًا مع ضميره، راضيًا بسعيه مهما كان صغيرًا. فالقيمة الحقيقية ليست في الكثرة، بل في النية. وكما تقول في ختام حديثها: "الله كريم". نعم، كريم في رحمته، كريم في ستره، وكريم في فهمه لقلوبنا حتى

حين لا نفهم أنفسنا.

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum