الغش التجاري بين لهفة الربح وغفلة الحساب

في زمن كثرت فيه الفتن وتعددت طرق الكسب، نجد أن الغش في البيع والتجارة صار آفة تمسّ أرواح الناس وأخلاق المجتمعات واقتصاد الأوطان. والغريب أن كثيرًا من المتورطين فيه يبحثون عن الربح المادي بأي وسيلة، متناسين أن هناك ربًّا لا يغفل ولا ينام، يحاسب على الكبير والصغير.

 من منظور ديني

قال رسول الله ﷺ: "من غشنا فليس منا". كلمات قليلة لكنها تحمل وعيدًا صريحًا: الغش ليس من صفات المؤمن، ولا طريقًا للبركة في الرزق. والله عز وجل قال في كتابه: "ويل للمطففين"، وهم أولئك الذين يخلّون في الموازين والمكاييل، تمامًا كما يفعل البعض اليوم في الأسواق، فيظلمون الناس في أموالهم ومأكلهم ومشربهم.

الغش لا يقتصر على الكيل فقط، بل يشمل تقديم البضاعة الفاسدة، والتلاعب في تاريخ الصلاحية، وخداع المستهلك بكلمات براقة بينما الحقيقة مغايرة. وهنا يكمن الخطر: ليس فقط على الجسد، بل على ضمير البائع وعلى دنياه وآخرته.

من منظور قانوني

القوانين المصرية والعربية جرّمت الغش التجاري وفرضت عليه العقوبات المشددة، لأنه جريمة اقتصادية تهدد أمن المجتمع وسلامة المواطنين. المواد القانونية تنص على الغرامات والسجن لكل من يثبت تورطه في غش أو خداع أو تداول مواد مخالفة للمواصفات.

لكن القانون وحده لا يكفي إذا لم يكن هناك رادع من الضمير والخوف من الله.

 من منظور اجتماعي

الغش يخلق مجتمعات هشة، يشوبها فقدان الثقة والرحمة. حين يتحول البائع إلى مستغل، والمستهلك إلى ضحية، تذبل أخلاقيات السوق ويُظلم الإنسان في لقمة عيشه. الفقر لا يُبرر الغش، كما أن الغنى الحقيقي لا يكون بتكديس الأموال، بل بالقناعة والكرامة.

إلى كل بائع، إلى كل تاجر، اتقِ الله في سلعتك، في موازينك، في نيتك. فأنت تحمل أمانة: صحة الناس، غذاؤهم، أطفالهم، وكرامتهم. لا تجعل من الدنيا غايتك، فكل نفسٍ ذائقة الموت، وميزان الآخرة لا يعرف التزييف.

 في الختام

الغش ليس ذكاءً ولا شطارة، بل انحدار في القيم وابتعاد عن طريق الصلاح. فلتكن تاجرًا نزيهًا، بائعًا شريفًا، مواطنًا صادقًا... عندها تكون غنيًّا ولو قنعت بالقليل، وتلقى الله بوجه نقيّ وقلب سليم.