الثمن الحقيقي في عقد البيع... أمان لك ولغيرك

من المشاهد المتكررة في معاملات البيع، خاصة في القرى وأطراف المدن، أن يتفق البائع والمشتري على سعر معين للعقار أو الأرض أو الشقة، ثم يُكتَب في العقد سعر مختلف – وغالبًا أقل بكثير – بحجة تقليل رسوم التسجيل، وعلى رأسها "ضريبة التصرفات العقارية" التي تُقدَّر بنسبة 2.5% من قيمة العقد.
وللأسف، أصبح هذا الأسلوب شائعًا لدرجة أن البعض يراه "ذكاءً" أو "فهلوة"، لكنه في الحقيقة باب واسع للمشاكل القانونية، والضياع المالي، ومخاطر لا تُحمد عقباها على الطرفين.
أولًا: من الناحية القانونية
1. تهرب ضريبي يعاقب عليه القانون
تسجيل ثمن غير حقيقي يُعد جريمة تهرب ضريبي، وقد يُحمّل الطرفين – أو من ساعدهم في تحرير العقد – مسؤولية جنائية، خصوصًا إذا ثبت التواطؤ لإخفاء الحقيقة.
2. احتمال بطلان العقد أو الطعن فيه
إذا ثبت أمام القضاء أن العقد صوري أو يتضمن بيانات مخالفة للواقع، يجوز الطعن عليه بالبطلان أو الإبطال، وقد يُحرم المشتري من استرداد حقوقه كاملة، لأنه وافق على عقد لا يُعبّر عن الحقيقة.
3. المسؤولية الجنائية والمدنية
في حال قيام نزاع، من السهل إثبات النية الاحتيالية، ما يُعرض الطرفين – خاصة البائع – للمساءلة القضائية، وقد تُعتبر أوراق العقد وسيلة تزوير في محرر رسمي أو عرفي.
ثانيًا: من الناحية العملية للمشتري
1. تضييع حقوقه المالية
في حالة النزاع أو فسخ العقد أو الوفاة أو الميراث، يُعتد بالمبلغ المكتوب في العقد فقط. وبالتالي، إذا دفع المشتري مليون جنيه، وسُجل العقد بـ200 ألف فقط، فلن يستطيع قانونًا المطالبة بالباقي إلا بشق الأنفس.
2. رفض البنوك تمويل العقار
البنوك تشترط أن يكون العقد مُطابقًا للقيمة السوقية للعقار، وأي تضارب قد يُفشل عملية التمويل، أو يُرفض تسجيل العقار كضمان.
ثالثًا: من الناحية العملية للبائع
1. مخاطر ضريبية لاحقة
إذا راجعت مصلحة الضرائب مستندات البيع، ووجدت تناقضًا في القيم المثبتة، قد تُطالِب البائع بفروق ضريبية ضخمة، فضلًا عن غرامات، وقد تُحوّل الأمر للشؤون القانونية.
2. خسارة قانونية عند النزاع
إذا لجأ المشتري إلى المحكمة، قد يُجبر البائع على رد الثمن المكتوب فقط – وهو ما قد يُعد ظلمًا في حال تلقّى البائع مبلغًا أكبر فعليًا.
تنبيه هام في القرية والمدينة على السواء
سواء كنت تبيع أو تشتري عقارًا في قرية صغيرة أو حي راقٍ في المدينة، تذكّر أن القانون لا يُفرّق بين الأماكن، بل يعتد بالمستندات الرسمية. والقرى ليست بعيدة عن رقابة الضرائب أو المحاكم كما يظن البعض، فالأرشفة والتسجيل الإلكتروني أصبحا شاملين.
الخلاصة:
لا تنخدع بفكرة "اكتبها أقل علشان الضريبة".
الثمن الحقيقي هو أمان لك، سواء كنت بائعًا أو مشتريًا.
تذكّر أن العقد وثيقة قانونية، لا مجال فيها للمجاملات أو الحيل.
واعلم أن التهرب اليوم قد يُكلفك باهظًا غدًا.
لا تتهاون بحقك، ولا تكتب إلا الحقيقة، فالعقود تُكتب لتُحفظ الحقوق لا لتُخفيها.