خنجر في خاصرة الأمة: من الدولة الصفوية إلى غزة.. الدور الإيراني في خيانة القضية الفلسطينية

منذ نشأة الدولة الصفوية في أوائل القرن السادس عشر، وإيران تمارس دورًا خبيثًا في تمزيق جسد الأمة الإسلامية من الداخل، مستترة بعباءة المذهب، ومتذرعة بشعارات المقاومة، بينما هي في جوهرها تنفّذ مشروعًا قوميًا فارسيًا توسعيًا، لا يمت للإسلام ولا للمقاومة بصلة.
■ الدولة الصفوية: البداية المسمومة
ظهرت الدولة الصفوية في إيران سنة 1501م على يد الشاه إسماعيل الصفوي، الذي حول إيران من المذهب السني إلى المذهب الشيعي الإثني عشري قسرًا وبالسيف، وأطلق مذابح طائفية بحق أهل السنة في تبريز، بغداد، ديار بكر، شيروان، وأذربيجان. كانت الدولة الصفوية أول كيان سياسي شيعي يستهدف أهل السنة كسياسة رسمية، وقد وصف المؤرخون مذابحها بأنها "تطهير طائفي غير مسبوق" ([راجع: عبد العزيز الدوري، مقدمة في تاريخ العرب الحديث]).
لم تكن الدولة الصفوية سوى تأسيس لبذور الكراهية الطائفية في جسد الأمة، وقد تحالفت أكثر من مرة مع القوى الأوروبية ضد العثمانيين – كما حدث في تحالفهم مع البرتغاليين عام 1515م – رغم أن العثمانيين كانوا حماة الخلافة الإسلامية آنذاك ([راجع: برنارد لويس، الشرق الأوسط]).
■ التحالف مع الأعداء ضد المسلمين
في العصر الحديث، لم تتخلَّ إيران عن هذا النهج، بل طوّرته. فمع الثورة الخمينية عام 1979، رفعت طهران شعارات "نصرة المستضعفين" و"تحرير القدس"، لكنها لم تطلق طلقة واحدة من حدودها على إسرائيل، في حين فتحت أبواب الجحيم على بغداد وحلب وصنعاء.
دعمت إيران غزو أمريكا لأفغانستان في 2001، وسهلت دخولها إلى كابول عبر تحالف استخباراتي ([راجع: علي نوري زادة، إيران من الداخل]). وفي 2003، كانت المليشيات الشيعية التابعة لها (مثل فيلق بدر وجيش المهدي) أول من دخل بغداد برفقة القوات الأمريكية، ليتحوّل العراق إلى ساحة لتصفية علماء السنة وضباط الجيش العراقي، وإحلال النفوذ الفارسي مكانه.
■ سوريا: مذبحة بطعم الطائفية
في سوريا، أرسلت إيران مليشياتها (حزب الله، فاطميون، زينبيون، الحرس الثوري) لدعم نظام بشار الأسد، المسؤول عن قتل أكثر من نصف مليون سوري، معظمهم من السنة. وقد صرّح مسؤولون إيرانيون مرارًا بأن "سوريا هي المحافظة الـ35 لإيران"، ما يكشف العقلية الاستعمارية خلف الدعم الظاهري للمقاومة ([راجع: تصريحات علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي، 2016]).
■ اليمن: الطعنة من الجنوب
دعمت إيران انقلاب الحوثيين في اليمن، وسلّحتهم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة لضرب السعودية والخليج، ما أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفتح باب الطائفية والاقتتال الداخلي. ولم تكن إيران يومًا مهتمة بمصير الشعب اليمني، بقدر ما أرادت موطئ قدم عند مضيق باب المندب.
■ فلسطين: الورقة الرابحة
رغم ما تدعيه إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية، لم تُفتح جبهة واحدة مباشرة بينها وبين إسرائيل، بل تستخدم فصائل في غزة ولبنان كورقة ضغط في صراعاتها الإقليمية.
وعندما تشتد الحرب في غزة، تظهر إيران بتصريحات نارية، لكنها تنشغل في الكواليس بمفاوضات نووية مع الغرب، كما حدث خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو 2021، حين استُؤنفت محادثات فيينا بالتوازي مع التصعيد، وصرّحت إدارة بايدن أنها لا ترى أي مانع في التفاوض مع إيران رغم ما يحدث في فلسطين ([راجع: واشنطن بوست، 16 مايو 2021]).
■ إيران بعد الحرب.. لا شروط على إسرائيل بل على غزة!
في الوقت الذي ينتظر فيه العالم شروطًا إيرانية على إسرائيل، تحاول إيران فرض شروطها على المقاومة الفلسطينية، سواء عبر تحجيم فصائل لا تدور في فلكها، أو الضغط عليها لقبول "هدنة طويلة" تخدم مصالح طهران في ملفاتها النووية، وليس مصلحة غزة.
لقد أصبحت المقاومة في منظور إيران "أداة تكتيكية"، وليست عقيدة نضالية. ولذلك، فهي لا تتورع عن التضحية بفلسطين من أجل تخصيب اليورانيوم، أو كسب نفوذ سياسي في العراق وسوريا ولبنان.
■ خلاصة
من الدولة الصفوية إلى الجمهورية الإسلامية، لم تتغير العقيدة السياسية لإيران: مشروع فارسي يتغذى على تمزيق الصف السني، وتوظيف الطائفة، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وإذا أردنا أن نُحصّن فلسطين، فلا بد أولًا من كشف المتاجرين بها، ومن طرد السُمّ من الدم، لأن العدو الداخلي أخطر من الخارجي.
بقلم: أحمد عزيز الدين أحمد
كاتب وروائي وشاعر
المراجع والمصادر:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1. عبد العزيز الدوري، مقدمة في تاريخ العرب الحديث، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
2. برنارد لويس، الشرق الأوسط: 2000 عام من التاريخ، ترجمة: عبد الوهاب المسيري، دار الشروق.
3. علي نوري زادة، إيران من الداخل، لندن، المركز الدولي للدراسات الإيرانية.
4. فواز جرجس، صعود إيران في الشرق الأوسط، مطبعة جامعة برينستون.
5. تصريحات علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي، عن سوريا – وكالة فارس الإيرانية، 2016.
6. تقرير واشنطن بوست، 16 مايو 2021، حول تزامن العدوان على غزة ومفاوضات فيينا.
7. باتريك كلاوسون، السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.