كيف أنقذ نور الدين مصر من الصليبيين؟

فى قلب مصر الفاطمية حيث كان النيل يروى أرضًا غنية بالتاريخ والصراعات بدأت قصة درامية بين عامى 1163 و1169 حيث تقاطعت السيوف والمؤامرات لتحدد مصير أمة. كانت الدولة الفاطمية التى أضعفتها وفاة الخليفة المستنصر بالله عام 1094 تتأرجح تحت وطأة خلفاء ضعفاء ووزراء طامحين يتصارعون على السلطة. هنا فى هذا العصر المضطرب برزت شخصيات كضرغام وشاور ليوقدوا شرارة أحداث غيرت مجرى التاريخ.البداية: صراع الوزراء
فى عام 1163 اقتحم ضرغام بن عامر اللخمى القائد العسكرى الطموح قصر الوزارة فى القاهرة مطيحًا بشاور بن مجير السعدى. لم يكن شاور ليستسلم بسهولة ففرّ إلى دمشق حيث لجأ إلى نور الدين محمود السلطان العظيم. في خيمته بدمشق عرض شاور صفقة مغرية: ثلث دخل مصر مقابل استعادة منصبه مع وجود ممثلين لنور الدين فى البلاط الفاطمى. وافق نور الدين ورأى فى ذلك فرصة لتوسيع نفوذه، فأرسل قائده المخلص أسد الدين شيركوه برفقة ابن أخيه الشاب، صلاح الدين الأيوبى.
فى تلك الأثناء، عبر الملك أمالريك حاكم القدس الصليبى حدود مصر بحجة عدم دفع الجزية. واجهه ضرغام فى بيلوسيوم لكنه هُزم وتراجع إلى بلبيس. هنا فتح المصريون سدود النيل، فغرقت الأرض وأجبرت الصليبيين على التراجع. لكن المعركة الحقيقية كانت فى انتظار شيركوه الذى هزم ضرغام وقتله ليعيد شاور إلى الوزارة عام 1163.الخيانة: تحالف شاور مع الصليبيين
لكن شاور الذى عاد إلى السلطة لم يكن رجل الوفاء. خاف من نفوذ شيركوه فما كان منه إلا أن قلب الطاولة وتحالف سرًا مع أمالريك. في عام 1164 عاد الصليبيون مع شاور لحصار شيركوه في بلبيس. استمر الحصار شهورًا، لكن نور الدين قلب الموازين بانتصاره فى معركة حريم حيث أسر قادة صليبيين كبار، فأجبر الجميع على التراجع في جمود عسكرى.المعارك المتقطعة: صمود شيركوه بحلول عام 1166 عاد شيركوه إلى مصر بنية استعادة السيطرة. استنجد شاور بأمالريك مجددا فوصل الصليبيون فى يناير 1167 وحاولوا عبور النيل دون جدوى. فى مارس دارت معركة البابين الدامية التى لم تحسم لأحد. تراجع شيركوه إلى صعيد مصر، ثم إلى الإسكندرية التى فتحت أبوابها له. هناك، ترك صلاح الدين ليدافع عن المدينة، لكن الحصار الصليبي أجبر الطرفين على اتفاق فى أغسطس 1167: انسحاب الجميع مع وعد شاور بدفع 100,000 بيزنت سنويًا لأمالريك.صعود صلاح الدين فى نوفمبر 1168 عاد أمالريك بجيش كبير فهاجم بلبيس وارتكب مجزرة أثارت غضب المصريين استنجد العاضد بدمشق فأرسل نور الدين شيركوه وصلاح الدين. اقترب شيركوه من القاهرة فطالب أمالريك بمليون بيزنت للانسحاب ثم خفض المبلغ إلى النصف، وغادر فى يناير 1169. دخل شيركوه القاهرة وأمر بإعدام شاور، ليصبح وزيرًا. لكن الموت باغته فى مارس 1169 فخلفه صلاح الدين الذى بدأ رحلته لتوحيد مصر وسوريا مؤسسًا الدولة الأيوبية.
كانت هذه السنوات الست نقطة تحول. لو لم يتدخل نور الدين وشيركوه وصلاح الدين لربما أصبحت مصر مستعمرة صليبية